على مدى أيام عديدة أشغلت الطفلة رهف المجتمع العالمي بأسره، ليس لأنها حالة إنسانية تستحق الاهتمام الفعلي، بل لأنها سعودية أولا، ولأن وزيرة الخارجية الكندية استقبلتها في المطار من جانب ثانٍ.

كان الأمر سيكون فعلا حديث الأسرة الدولية ومحل تعاطفها لو لم تخرجه عن هذا المسار دولة كندا، من خلال رئيس وزرائها الذي أعلن منح رهف اللجوء لبلاده، وبعث وزيرة خارجيته لاستقبال رهف في المطار بطريقة غير مسبوقة، الأمر الذي خدم السعودية وفضح الخطة الكندية الحمقاء.

على هذا الأثر، شاهدنا كثيرا من ردود الفعل الدولية التي استهجنت هذا التصرف الرسمي الكندي، ومن ذلك تصريح الدبلوماسي الكندي والسفير السابق لدى الرياض ديفيد تشاترسون حين قال في لقائه مع قناة cbc «أعتقد أننا حقنّا هذه القضية بعنصر داخلي سياسي…»، ثم يشير ديفيد إلى أن هذه ليست الطريقة المثلى لأكثر من 25 مليون لاجئ في العالم في ظروف أقسى بكثير من ظروف رهف، ولم يتم التعامل معهم بهذه الطريقة.

لقد اختار رئيس الوزراء الكندي إقحام نفسه في هذه القصة صراحة، ومنحها ملاذا بشكل فوري وحفاوة رسمية لم يسبق لها مثيل. هذا الموقف يضع كندا في موقف خطير في حال قامت فتيات أخريات بالهروب من أهاليهن، وهل يعني ذلك أن كندا ستمنحهن ملاذا تلقائيا؟ هذا ما يستنتج من خلال ما تم القيام به في هذه القضية من قبل السلطات الكندية دون دراسة كافية لهذه الحالة، ولا تقييم للطلب والتدقيق في الشخص كحالة مستقلة والذي قد يحتاج لسنتين، بحسب ديفيد، كل ذلك وضعته كندا جانبا وتم قبولها كلاجئة وليس طالبة لجوء فحسب، في تناقض جلي مع الإجراءات الكندية.

وفي النظر لسيناريو تحركات الطفلة رهف يتضح أن الخطة الكندية مرسومة مع الفتاة بطريقة تخفي المخطط المُعدّ من خلال عدم الهروب لكندا مباشرة، بل التوجه لتايلاند ثم طلب اللجوء لأستراليا وكندا، وأخيرا الوصول لمطار تورنتو متوشحة السترة الكندية بين ذراعي الوزيرة الكندية.

رأينا، كذلك، كيف أن رهف تكذب على أهلها أولا، وعلى أنظمة وطنها ثانيا، من خلال ادعائها بأنها معنفة، وهو الأمر الذي نفاه والدها بدليل أن لديها شقيقات مستقرات يعشن في أحسن حال. ادعت الفتاة أيضا أن أهلها حبسوها ستة أشهر لأنها قصت شعرها. وهل لذي لب سليم أن يصدق أن أسرة تحبس ابنتها نصف عام لأجل «قصة شعر» سيما أن الأسرة من علية القوم تعليما ومكانة اعتبارية. ومما قالته في أحد اللقاءات، إن المرأة السعودية لا تستطيع العمل إلا بإذن أهلها، وهذه مغالطة وكذب يبرز زيف ادعاءاتها جملة وتفصيلا، فالنظام السعودي يمكّن المرأة من مزاولة التجارة والوظيفة والتعليم والسكن وقيادة السيارة وبقية الخدمات الأخرى دون إذن أحد البتة.

لقد انكشفت رغبات وأحلام رهف الحقيقية، والتي تتوق إلى تحقيقها من خلال الصور غير اللائقة والتي شاهدها الجميع. أظهرت تلك المشاهد (إن صحت) حقيقة نمط الحياة التي تطمح أن تعيشها متوارية خلف دعوى التعنيف الأسري والتهميش المجتمعي والرسمي، في فترة زمنية تعيش المرأة السعودية أعلى مراتب التمكين والتمتع بقدر كبير من الحقوق.

هذه الفتاة العاقة لأسرتها ولوطنها ولدينها، كشفت زيف بعض مدعيات العنف، وأضرّت بالمعنفات الحقيقيات، وجعلت الشكوك تزداد حول تلك الدعاوى رغم وجود بعضها كنتيجة طبيعية في كل بلد ومجتمع.

شكرا رهف، مرة أخرى، فقد كشفت لنا وللعالم أجمع دناءة السياسة الكندية ونزولها لمستوى وضيع من حيث استغلال قاصر، وتوظيف حالة أسرية صغيرة لمواجهة دولة عظيمة، مما يكشف العقلية الصغيرة التي تدير النظام الكندي اليوم. شكرا رهف لأنك كشفت للعالم، مجددا، مستوى أعداء السعودية العظمى الجديدة.

ختاما، فإن فيروس التشدد وفيروس الانحلال يظهران بين الفينة والأخرى، مما يضاعف جهود المعتدلين بيننا الذين يعيشون حالة من المعارك الإصلاحية شبه اليومية لعلاج مرضى الفيروسين الخطيرين المتمثلين في التشدد الديني والتشدد الانحلالي، فهم (أي المعتدلون) بين ترويض المتزمّت وضبط المنحل المتفلّت.