انتشر -قبل أيام قلائل- في مواقع التواصل الاجتماعي خبر مفاده أن مجلس الشورى السعودي سيصوت اليوم الثلاثاء على دعم جهاز الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتعزيز دوره الوقائي الميداني والبرامجي الذي يقوم به وفق تنظيمه لضبط السلوك العام ورعاية قيم المجتمع.

السؤال المطروح أولا وقبل كل شيء: هل المشكلة التي يعانيها هذا الجهاز هي مشكلة تنظيمية حتى نسارع في إيجاد حلول لتعزيز دوره الوقائي والميداني؟ أعتقد أن المشكلة هي بنيوية فكرية أكثر من كونها تنظيمية وقائية، بمعنى أثبت العرش ثم أنقش، بعبارة أخرى، كيف يمكننا الكلام عن برامج وقائية من قبل الجهاز، وهناك خلل في بنية التفكير الخاصة بفهم مقاصد شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي انعكست عنها في الماضي انتهاكات لحقوق المواطنين التي كفلها النظام الأساس للحكم في المملكة؟.

المشكلة البنيوية في نظري أن بعض هؤلاء لا يرون أهمية للقوانين المدنية التي تصدرها الدولة، فهي غير ملزمة في نظرهم لأنهم ببساطة يرون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كشعيرة لا تحتاج فيها لأنظمة أرضية بشرية، هي تأتي من الله سبحانه وتعالى، متناسين أن حكومتنا تنظر لهذا الجهاز بأنه جهاز يميزها عن باقي الحكومات الأخرى، وهي حريصة على إقامة هذه الشعيرة الإسلامية، ولكن ليس على طريقة فهمهم المتشدد كما كان يحصل في الماضي، والمتمثل في الحد من حركة المرأة في العمل وفي السوق وأثناء القيادة، واستخدام العنف والترهيب ضدها. وكذلك منع الشباب من ممارسة اللهو والترفيه ومطاردة الشباب في الشوارع والمتنزهات والشاليهات، وقمع حريات الشباب في مظهرهم الخارجي، وحدث ولا حرج في مآسي معارض الكتاب، والشك غير المبرر بالأجنبي الذي يفسد المجتمع بثقافته الوافدة علينا.

اليوم دور الهيئة ينحصر فقط في التوعية والإرشاد، وقد أوكلت الدولة مهام الأمن والضبط لقطاعات الداخلية كالشرطة ومكافحة المخدرات وغيرها.

ولكن السؤال: هل هم مؤمنون بهذا الدور؟ هل هم ينظرون للحسبة على أنها دعوة وإرشاد، أم شيء آخر؟.

لا أريد اجترار الماضي كثيرا، فنحن أبناء اليوم، ولكن في ذات الحال لا نريد العودة للمربع الأول.

ما أود قوله إن تطوير جهاز الهيئة اليوم ليس في الدور الميداني والوقائي، ولكن الإصلاح الحقيقي والجذري هو إعادة مفهوم الحسبة وفقا للمرحلة المدنية الجديدة، وذلك من خلال تجديد الخطاب الدعوي، من قبيل تعزيز التسامح الديني، ونبذ الكراهية والعنصرية، والواسطة والمحسوبيات، والدعوة لحقوق الإنسان وذم الفساد، ومحاولة دعم الجهاز بكوادر معتدلة إبداعية جديدة تحاول تسويق المملكة الجديدة كمركز إنساني في المجال الرياضي والترفيهي والتعليمي والصحي والفضائي والصناعي.

هذه هي الحسبة في مفهومها المدني والتنموي، أما عن إسقاط مجلس الشورى -قبل 3 أشهر- توصية دمج هيئة الأمر بالمعروف مع وزارة الشؤون الإسلامية كونها تلتقي معها بالدعوة والإرشاد، فهذا يجعلني أتساءل: ماذا يريد الشورى من تصويت اليوم؟