لا زالت إشكاليات سوق العمل تطفو على السطح، ولا زالت سلبياتها تؤرق المجتمع الوطني، ولا زال معدل البطالة مرتفعا وفي تزايد متنام، وذلك بعد أن سجل معدل (12.9%) في إحصائيات الربع الثاني من عام 2018، بعد أن كان (12.8%) في الربع الثاني من عام 2017، وبمقارنة بيانات مسح القوى العاملة للعامين في ذات الفترة، يمكننا أن نلاحظ أن الفجوة ما زالت كبيرة جداً في التوظيف بين مواطن وغير مواطن، من جملة المشتغلين في سوق العمل الوطني، وبين ذكور وإناث من جهة أخرى، وذلك مع ارتفاع الأصوات المعارضة لارتفاع نسبة توظيف الإناث المواطنات في الفترة الأخيرة مقارنة بالذكور، على الرغم من أن الفجوة لا زالت كبيرة جداً.

 وعليه فإننا نتساءل ما أثر برامج وزارة العمل في المساهمة في رفع نسبة التوظيف والتوطين الفعلي؟ وما دورها في نوعية الوظائف التي يشغلها المواطنون والمواطنات؟ وما سياساتها نحو تصحيح واقع سوق العمل المختطف؟! وهل حاولت الوزارة تقييم ومراجعة أو متابعة أثر برامجها المعنية بالتوطين في القطاع الخاص؟ وهل هناك إدراك لما يجري في سوق العمل من انتهاكات لحقوق المواطن ونبذ لوجوده ولمستوى أجره؟!، هناك تساؤلات كثيرة تطرح نفسها ولا يمكن حصرها في عجالة، ولكن يمكن مناقشة البعض منها بناءً على ما يتوفر عنها من بيانات وأرقام كمؤشرات لواقع يوثق ما يجري في السوق، وبناءً على ما نشهده ونتابعه في وسائل التواصل الاجتماعي من أحداث مختلفة وقصص لا تنتهي من إرهاب التوظيف للمواطن والتهميش المقصود نحوه، من قيادات التوظيف في القطاع الخاص والتي يقود معظمها غير المواطن، في إطار نظام عمل يقوي شوكته ويدعمه على حساب توظيف المواطن.

 وبالمقارنة بين عدد المشتغلين في سوق العمل الوطني بجميع قطاعاته العامة والخاصة في العامين 2017 و2018 لنفس الفترة (الربع الثاني) نجد أن نسبة غير المواطن في سوق العمل بعد أن كانت 77.94% أي 78% من جملة المشتغلين عام 2017؛ أصبحت 75.99% أي 76% في عام 2018 لنفس الفترة، أما نسبة البطالة المذكورة (12.9%) فإن المواطنين يشكلون منها 92.92% أي 93% من تلك النسبة، هذا مع العلم بأن هناك 1.118.801 باحث عن عمل من المواطنين لا تشملهم النسبة السابقة من المتعطلين (البطالة)!، فهل نتعجب بعد ذلك من نمو معدل البطالة؟!، وهل نُدرك ما سبب انخفاض نسبة التوطين رغم سياسات وزارة العمل وبرامجها المعلنة؟، وهل وقفنا على نوع الوظائف ومستوياتها التي استهدفتها وزارة العمل في التوطين؟ بل وهل تابعت الوزارة مستوى تنفيذ برامجها ميدانياً، بعيداً عن بيانات الشاشات المضللة والتي تفتقر للشفافية والمصداقية في التنفيذ؟.

 ومن جهة أخرى فإن نسبة المشتغلات من الإناث المواطنات في سوق العمل الوطني من جملة المشتغلين (مواطن وغير مواطن)، كان 7.38% فقط عام 2017، وأصبح 8.23% فقط عام 2018 لنفس الفترة، فهل يمكننا أن نعترض على رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل بعد الوقوف على حقيقة البيانات ومع ارتفاع نسبة الجامعيات العاطلات؟!، وهل نُدرك أن كثيرا من الفتيات والنساء يتحملن أعباء أُسرية كاملة؟ وهل نستوعب أن الفتيات اللاتي يعملن أين سيكون مصيرهن، وكيف سيتحصلن على موارد لرزقهن لو مانعنا توظيفهن؟ هذا غيض من فيض، ومع الأخذ في الاعتبار طبيعة الوظائف التي رفعت من نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل، على الرغم من ارتفاع نسبة المؤهلات منهن بالشهادة الجامعية المتخصصة، ولكن لم تتح لهن فرص وظيفية إلا في نقاط البيع، وفي بعض شرفات الاستقبال والعلاقات العامة المحدودة والكافيهات والمطاعم، وغيرها من تلك المستويات الوظيفية، والتي لا نقلل منها إطلاقاً؛ فالتوطين مطلوب في كل الوظائف التي يمكن أن يشغلها مواطن، ولكن لكل مستوى وظيفي مؤهله المناسب لتحمل مسؤولياته، والسؤال: لماذا التركيز في التوطين على تلك المستويات الوظيفية فقط؟!، بينما تكاد جميع الوظائف التخصصية المستهدفة في القطاع الخاص يتصدرها غير المواطنين؟!، وكما يتضح أنه حتى الارتفاع الطفيف في نسبة توظيف المواطنين؛ هو بسبب ارتفاع نسبتهم في تلك المستويات الوظيفية التي تمتص شيئا بسيطا من حجم المتعطلين، لكنها لا تضيف شيئا للإنتاج الوطني، بمعنى أن التوظيف فيها لا يقدم قيمة فعلية مضافة للوطن؛ بالاستثمار في توظيف مواطنيه، للمشاركة في الإنتاج الوطني ورفع قيمته الاقتصادية.

 التساؤلات المطروحة، إلى متى يكون التوطين نَشِطا في المستويات المنخفضة من الدرجات الوظيفية بينما هو شبه مُجمد في الوظائف الأهم التي يشغلها غير المواطن؟، إذن لماذا تَعلّم أبناؤنا؟ ولماذا اُبتعثوا؟ ولماذا حرصنا على تعليمهم في الجامعات وتأهيلهم بتخصصات مختلفة؟! أليس ليتحملوا مسؤوليتهم الوطنية نحو الوطن بإدارة دفة الأعمال فيه؟! أليس لأبنائنا طموحات وتطلعات يسعون لتحقيقها؟! أليس استقرارهم وأمنهم هو من أمن الوطن واستقراره؟ أليس رفاه الوطن من رفاه المواطن؟ بل وهل تُبنى الأوطان إلا بأيدي أبنائها؟! وهل تنهض مؤسساتها فعلياً إلا على سواعدهم؟! فالمواطنون هم أمان الوطن وهم قاعدته الإستراتيجية التي تُحقق رؤيته وتطلعاته.

 وحتى لا نغمط وزارة العمل بعضاً من جهودها المبذولة لخدمة التوظيف ورفع نسبة التوطين، فإننا لا بد وأن نشير إلى برنامج صندوق تنمية الموارد البشرية «هدف» الذي طرحته الوزارة لدعم وتحفيز التوظيف للمواطنين في القطاع الخاص، والذي يتركز الدعم فيه، في توظيف الخريجين والخريجات من العاطلين، ودعم التوظيف في المدن والقرى منخفضة الكثافة السكانية، ودعم توظيف الإناث، ودعم التوظيف في المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر، ويمتد الدعم خلاله لثلاث سنوات، بحيث يكون 70% من الدعم للتوظيف و30% للتدريب، وذلك بمعدل دعم 30% للراتب الشهري في السنة الأولى، و20% في السنة الثانية، و10% في السنة الثالثة، هذا مع العلم أن الحد الأدنى من الأجر المستحق للدعم هو 4 آلاف ريال والحد الأعلى 10 آلاف ريال.

 ولكن هل تُدرك الوزارة ماذا يحدث خلف الكواليس في القطاع الخاص، هل تُدرك أن الكثير من المنشآت كالمدارس الخاصة وغيرها يُسجل في بيانات الموظف بأنه يستلم على سبيل المثال 4000 آلاف وهو يأخذ فعلياً 2500 ريال، وأنه يُهدد بالفصل في حالة الكشف عن ذلك؟! وهل تعلم الوزارة أن هناك حالات فصل لا تحصى للمواطنين والمواطنات في حالة انتهاء فترة الدعم، وأنه ليس هناك مادة قانونية أو نظام عمل يحمي المواطن؟، وهل حاولت الوزارة متابعة مدى نجاح برامجها ومستوى مصداقية تنفيذها لدى الفئة المستهدفة (المواطنون الذين تم توظيفهم) بأسلوب وأداة علمية شفافة؟، مما لا شك فيه أن إجراءات وبرامج وزارة العمل تحتاج لمراجعة ومتابعة، لمستوى جودة التنفيذ لبرامجها وما هو جدواها، ومدى نجاحها في تحقيق مستهدفاتنا الوطنية، كما تحتاج إلى مراجعة وتحديث موادها التشريعية وأنظمتها التي تخدم صاحب المنشأة والأجنبي على حساب مصلحة الوطن والمواطن؛ صحيح أن القطاع الخاص يحتاج لدعم وتحفيز لتوظيف المواطنين بمستويات أجور مرضية وتدريبهم، ولكن عليه كذلك إثبات انتمائه وولائه لمقدرات الوطن وتطلعاته، ولمستحقات المواطنة التي تفرض عليه استشعار المسؤولية نحو تحديات الوطن؛ للمبادرة والمسارعة في احتواء مواطنيه بالتوظيف والتدريب وبما يليق بالمواطن وبالوطن، بعد أن أغدق عليه الوطن بالعطاء والتحفيز والتمكين في استثمار مقدراته، فعليه رد الجميل بإثبات مواطنته الحقيقية.