من مهارات إدارة الأزمات، ضرورة الاستفادة من الأحداث والقصص والقضايا التي تمر بالفرد أو المجتمع، والخروج منها بدروس وعبر، وترجمتها إلى «برامج توعوية» يتم تقديمها في وسائل الإعلام ومنابر الجمعة، وتتحول إلى أنشطة مجتمعية، عبر مؤسسات التربية والثقافة في البلد، وذلك بهدف الوقوف على أسبابها والتحذير من مخاطرها ونتائجها وآثارها، ثم وضع أطر وقائية لتجنيب الفرد والمجتمع الوقوع فيها ثانية، ويكون الأمر ضروريا عندما تكون القضية لها تماس مباشر بأمن الوطن واستقراره، أو بقضايا التربية والأخلاقيات وقيم المجتمع، وذلك من أجل إحاطة الجيل بسياج قيمي أخلاقي يسهم في وقايته من مخاطر الوقوع في الزلل أو الرذيلة.

وأي سلوك مخالف لطبيعة المجتمع، أو مصادم للدين والعادات والتقاليد أو لقيم المجتمع ومنظومة الأخلاقيات، ويمثل خطرا على هوية المجتمع، من الأهمية بمكان التصدي له مباشرة، وعدم تركه ينمو حتى يتحول إلى «ظاهرة»، ومن ثم يتنادى الجميع بعد تعاظم المشكلة «أين الأسرة، أين المدرسة أين الإعلام أين دور المسجد»، وعندها تكون المواجهة صعبة، أو تتطلب جهدا كبيرا، وقد يكون الجميع قد فقد السيطرة على احتواء ما جرى، مما يستدعي بذل جهود وخطط وقائية وبرامج علاجية، قد تنجح أو تطول، وقد تصبح في مواجهة صعبة ومكلفة مع سلوك القضية، الذي قد يتحول إلى ظاهرة، ثم إن هناك جيلا من المراهقين والمراهقات يرقبون تعاطي المجتمع وردة فعله مع تلك القضايا، كقضية رهف، وهروب البنات إلى الخارج تحت أوهام من أحلام الحرية المزعومة، صحيح نحن لا نميل إلى تعقيد القضايا تلك، لكن من الخطأ أن نمر من أمامها دون أن تكون لنا وقفة، أو للجهات المسؤولة التربوية والإعلامية والثقافية وقفات معها «ودق جرس الخطر»، فهناك فئات من المجتمع يهونون ما جرى، ويذهب بعضهم إلى القول إن ذلك حرية شخصية، بينما يتناسون ماذا سببت الهاربة لمجتمعها وأسرتها ولدولتها من استغلال سيئ من قبل جهات ودول ومنظمات، فالفرد جزء من المجتمع.

 

لماذا نقول هذا الكلام، ونحرص على ضرورة التصدي للسلوكيات الشاذة التي تسبب قلقا مزعجا للمجتمع، لأن الدولة -رعاها الله ووفق ولاة أمرها- عزمت السير نحو تحقيق «حياة الاعتدال والوسطية»، فلن تسمح بتطرف ديني، أو تطرف انحلالي لا أخلاقي، من أي فريق كان، من هنا أصبح ضروريا مواجهة كل قضية تمس الدين أو الوطن، فلسنا مضطرين إلى التوقف عندها بحجة عدم الرغبة في عدم تحميل الأمر فوق ما يحتاجه كما يقول بعضهم، وهذا خطأ، لأن الهجمات والاستهداف الذي تواجهه بلادنا والإساءات التي يقذف بها والمزاعم الكاذبة لانتهاكات حقوق الإنسان لم تعد سرا، ولا يخفى على أحد أهدافها من دول وجهات ومنظمات ليس همها إلا أن تسعى إلى انتهاز تلك القضايا لتوظفها لخدمة أجندتها وأفكارها، واستغلالها سياسيا وفكريا، فليس من الجيد أن ندفن رؤوسنا في التراب، ونقول لا توجد لدينا مشكلات، ولا قضايا خطيرة، وأمورنا تمام التمام، أو نقول لا يجب أن ندخل في تصادم إعلامي مع الآخرين، أو لا نختلق مواجهات مع من يناصبنا العداء، وإن سكوتنا أفضل في حين أن أعداءنا يستغلون تلك القضايا لمصلحتهم.

ولذلك، يجب أن يكون هناك إجراءات لحماية «لحمة المجتمع وقيمه» ممن يسعى إلى تفكيكها، ولنكن صادقين في تناول ذلك، ونقول من أجل مواجهة ما حدث نتيجة لهروب رهف، ومن سبقها، وربما هناك حالات قد تتبعها لاحقا، وجميعنا يعلم بوضعهن المهين في الخارج على عكس ما توقعن، فنحن بحاجة إلى:

1ـ كما تم التصدي بنجاح للخطاب الديني المتشدد الذي صنع متطرفين، وكان موقفا وطنيا صحيحا مؤيدا من المجتمع، فما حدث من قصص هروب للفتيات أيضا يستدعي التصدي لخطاب التحريض على «إسقاط الولاية»، وترك هذا الأمر لأهل الاختصاص في الدولة، ولهيئة كبار العلماء، خاصة وجميعنا شهد ما تحقق للمرأة من منجزات وطنية ومن تطورات بغرض تمكينها في كل المجالات، وما اتخّذ بشأنها من قرارات لمصلحتها على صعيد الوطن.

خطاب التحريض الذي قد نلمسه في حملات هشتاقات وتغريدات ثم يتردد صداها في برامج ومقالات قد تثير الرأي العام، وتخلق جيلا ناقما على مجتمعه وساخطا على وضعه، مما قد يدخل المراهقين والمراهقات في مقارنات واهمة بين مجتمعهم والمجتمعات الغربية، متناسين فوارق الثقافات والعادات، مما قد يدفع بعضهم للهرب خارج الوطن طلبا لذلك الحلم الوهم من الحريات.

2ـ التصدي بكل الطرق والأساليب لمن يحاول النيل من الثوابت الدينية والوطنية والأخلاقية والمجتمعية والتربوية، أو يحاول المساس بها أو زعزعتها في نفوس الناشئة، أو يعمل على تهوين تلك القضايا الانحرافية التي تصدم المجتمع السعودي، على اعتبارها حريات شخصية، وينسى أن الحرية إذا لم تقيد بضوابط دينية واجتماعية وقانونية وأخلاقية، تصبح فوضى يتصرف فيها الفرد وفق ما يراه مخالفا كل أنساق المجتمع المحافظ وطبيعته، ومجتمعنا السعودي يتسم بفطرته الدينية، ووسطيته، وتصديه للانحرافات السلوكية واستنكاره لها، خاصة السلوكيات الشاذة التي لم يعتد عليها، ولا تنتمي له، وهو كما نعرف مجتمع قبلي من خصائصه تماسكه وتلاحمه في أيام الرخاء وفي الشدائد، ووقوفه خلف قيادته في المنشط والمكره.

3ـ استثمار الأنشطة المدرسية في توعية الطلاب والطالبات بمخاطر الانحرافات السلوكية ونتائجها على الفرد والمجتمع، والعناية بما يسمى التربية الوقائية التي تجعلهم يتجنبون الوقوع في كل سلوك يتعارض مع الدين أو القيم الأخلاقية، بما في ذلك أن تهتم مدارسنا بوضع خطط وبرامج لتعزيز المواطنة الصادقة، وحب الوطن، فهذا من شأنه تعزيز روح الانتماء للوطن والمجتمع.

4ـ تضافر مؤسسات المجتمع الأمنية والثقافية والتربوية والإعلامية من أجل إيجاد «أمن فكري» يحمي أفراد المجتمع، خاصة الشباب، من الوقوع في ميادين الانحرافات السلوكية، باتجاه الغلو والتطرف الممقوت دينيا، أو الانحلال الأخلاقي والانحرافات السلوكية، فالمملكة منذ قيامها وتوحدها إلى اليوم، وملوكها يؤكدون على أن دستور هذا البلد قام على «الكتاب والسنة»، وأن هذا عماد بقائها موحدة متماسكة قادرة على حماية أبنائها وحدودها.

5ـ الأسرة التي هي نواة المجتمع، يجب الالتفات إليها كثيرا بتوعية أفرادها، فلا غلو في التربية، ولا تفريط، فكلاهما مضران بأطفالها واستقرارها، فالعنف منبوذ وليس وسيلة تربية، وهناك وسائل للتأديب وتهذيب السلوك، ولا بد من دعم دور الوالدين فيها، فلا يمكن للأسرة أن تنجح في ممارسة دورها التربوي، وهناك من يفتّت جهودها التربوية، ويسير بعكس سيرها نحو تربية أطفالها تربية حسنة، فالإعلام يحمل مسؤولية تفوق دوره الترفيهي، فمشهد خادش للآداب العامة لمدة دقيقة قد يفسد تربية عام، كما أن المدرسة ليست وظيفتها التعليم فقط، فلها دور تربوي كبير ومهم.

6ـ أخيرا بنات الوطن فيهن خير كثير، فليأخذن العبرة والعظة من البنات اللائي هربن خارج الوطن ثم اكتشفن الوهم والخداع، ولعل إحداهن ظهرت في مقطع فيديو، وكشفت جزءا من الوضع المهين الذي تعيشه كل لاجئة، فعلى من تفكر بالهرب ألا تظن أنها بذلك الهروب ستحل قضيتها، أو ستجد الجنة هناك، أو ستحقق مطالبها لأن الدولة لن تخضع لمثل هذه الإملاءات أو الهشتاقات أو الحملات.