رن الهاتف في مكتب سارة، وكانت مديرتها على الطرف الآخر:

ــ آسفة جدا، يجب أن تتوجهي فورا إلى المدرسة الفلانية لحل مشكلة طارئة.. أرجو ألا تأخذ منك كثيرا من الوقت.

ودون أن تجيب بحرف واحد توجهت إلى تلك المدرسة وهي تقاوم دموعها التي لم تجف منذ ليلة البارحة، حين جاء طليقها لزيارة طفلته ذات الأربعة أعوام، لكنه اصطحب الطفلة إلى مكان مجهول وانقطعت الاتصالات به حتى هذه اللحظة.

سارة وهي مشرفة إدارة مدرسية غادرت منزلها صباحا باتجاه مقر عملها حتى لا تصاب بنوبة جنون، لكنها طلبت من مديرتها أن تسمح لها بأن يكون يومها مكتبيا لأنها غير مهيأة نفسيا لمقابلة أحد.

دخلت سارة المدرسة مبتدئة بدورة المياه، حيث أخفت دموع الخوف المرتعشة في عينيها الذابلتين وجلست في البداية مع قائدة المدرسة التي كانت في غاية التوتر والقلق.

ـ حسنا أستاذة سارة لقد استلمت دفة الإدارة مرغمة لأنني كما تعلمين مغتربة، وأريد أن أعزز فرصي بتحقيق حلمي الكبير بالنقل، لقد وعدتني أن تقفي إلى جواري أليس كذلك.. خبرتي تخونني والقيادة في غاية التعقيد والصعوبة.

هكذا تحدثت القائدة الشابة قبل أن تتوقف بسبب ردة الفعل التي أبدتها المشرفة.

كانت سارة شاردة البال، وهي لا ترى سوى صورة ابنتها تتراقص أمام عينيها. وتساءلت وهي تعض شفتيها كيف سمحت لطليقها الذي غادر السجن قبل عدة أسابيع أن يداوم على رؤية طفلتها الوحيدة حتى افتكها من بين يديها بهذا الشكل المفجع!؟.

أيقنت القائدة أن المشرفة تتميز غيظا مما فعلت، وأنها ستتخذ إجراء صارما بحقها قد يحرمها من تحقيق حلمها الأثير.. فاستدعت المعلمة التي اشتبكت معها صباحا بسبب إصرار المعلمة منذ أسبوعين على الحضور للمدرسة بعد الطابور الصباحي.

بادرتها القائدة الشابة، قائلة:

ـ حسنا يا مها، يبدو أن المشرفة غاضبة جدا مما حدث، ما رأيك أن نحل مشكلتنا وديا.

أجابت المعلمة بتوتر:

ــ للمرة الألف أخبرتك أن ابني معاق، وشغالتي هربت منذ أسبوعين، فأضطر للذهاب به لوالدتي التي يبعد منزلها عني أكثر من 30 كلم لأن المدينة ليس فيها أي مكان يرحب بوجود ولدي.. ولذلك أتأخر.

كانت المشرفة تقلب نظرها بين القائدة القلقة والمعلمة المتوترة دون أن تنبت ببنت شفة،

تقف الاثنتان عن الكلام.. وعم الإدارة صمت رهيب، لم يقطعه سوى المشرفة وهي تخفي بمنديلها دمعة جديدة تحاول القفز من عينيها المتعبتين.. وتقول وهي تتصنع الابتسامة:

ـ عفوا أخواتي، كنت شاردة الذهن ولم أسمع أي شيء.

وش المشكلة؟!