منذ أكثر من عشر سنوات ونحن ندور في خضم المثل العربي الشهير «أسمع جعجعة ولا أرى طحينا»، آمال تلتها نداءات أعقبتها تصريحات بإنشاء الملف الصحي الإلكتروني EHR من وزراء الصحة المتعاقبين على الوزارة، لكنها لا تتعدى الأوراق، وكنت قد تحدثت كثيرا عن هذا الشأن غير مرة، ولكن ها نحن اليوم نعود لنفس الحلقة الأولى.

قبل قرابة أربع سنوات صرح وزير الصحة الحالي بتفعيل الملف الصحي الإلكتروني، ونُشر ذلك عبر وسائل الإعلام وتفاءل الجميع خيرا، لكن مرت السنوات وما زلنا إلى الآن لم نلمس هذا الحلم على أرض الواقع.

وفي الواقع قامت وزارة الصحة بتفعيل شيء آخر، وهو ما يسمى الملف الطبي EMR، وهو نظام بعيد كل البعد عن الملف الصحي الإلكتروني EHR، حيث إن الأول ببساطة حوسبة إلكترونية «محلية» لمنشأة واحدة وبمقدور أي شخص عملها في منزله لو شاء، أما الثاني EHR وهو الحلم الذي لم يتحقق بعد، فهو حوسبة إلكترونية تربط «جميع» المنشآت الصحية في المملكة ببعضها، بحيث يستطيع الطبيب الاطلاع على ملف المريض من أي وحدة طرفية في المملكة بأسرها، إلا أن هذا لم يحدث، وأستغرب جدا أن يتم التصريح بالتفعيل، بينما الواقع هو ملف «طبي» وليس صحيا «موحدا».

وفوق ذلك فإنه عندما فعلت الوزارة هذا الملف «الطبي» - وليس الصحي الموحد- شابه كثير من المشاكل، في مقدمتها إلغاء ملفات المرضى، بما فيها من معلومات طبية وطرح التاريخ المرضي للمريض جانبا والبدء من «جديد»، وكأن صاحب الأربعين عاما «مولود» اليوم! كما أن معقل الفرس هو أن هذا الملف الطبي غير مرتبط بالمستشفيات العامة أو المركزية، فكيف يسمى ملفا موحدا إذن؟! كما أن نظام «الإحالة» أي تحويل المريض من المركز الصحي إلى المستشفى العام ما زال «يدويا» ورقيا، فأين الملف الصحي الموحد هذا؟! علاوة على ذلك فإنه غير مربوط بالأنظمة الأخرى، فكل في فلك يسبحون! لا نظام «موعد» ولا «منصة» ولا «حصن»... الخ، فما الفائدة منه إذن وكيف سمي ملفا صحيا إلكترونيا؟!

أضف إلى ذلك أمرا من البديهي حله، وهو أنه ليس مرتبطا بأنظمة الإدارة العامة للمرور لعمل فحوص «رخص القيادة»، وإنما يتوجه المستفيدون للمستشفيات الخاصة لهذا الشأن!

ناهيك عن المشاكل الداخلية لهذا الملف التي من أبرزها أن عملية إدخال بيانات التحاليل «يدوية»، وهي الجزء الأكثر حساسية على الإطلاق، أي أن نسبة الخطأ ما زالت واردة، فما الفائدة من هذا الملف «الطبي» المحلي؟! وبعيدا عن المشاكل الفنية فإن هذا الملف -لو سلمنا بأنه لا أمل في ملف إلكتروني موحد بعد- فإنه يستغرق للمريض الواحد منذ أن يدخل المنشأة الصحية وحتى خروجه ما لا يقل عن 25 دقيقة، وهذا على أفضل الأحوال إذا لم تترد سرعة اتصال الإنترنت، وعندها فسيمكث بعضهم 6 دقائق عند الصيدلية لتصل الوصفة إلكترونيا من مكتب الطبيب الذي لا يبعد عنها أكثر من 12 مترا.. كل هذا لمريض «واحد» بفرض أنه ليس هناك مريض غيره عند نافذة الصيدلية، فما بالك بالعدد الهائل الذي يرتاد المركز الصحي يوميا، وللأمانة فإننا رأينا من مديري المراكز من «انحرج» من تكدس المرضى «وانجرح» من التعنيف اللفظي الذي قد يعقبه التعنيف الجسدي الذي لا يجد له نصيرا، انحرج وانجرح معا فوضع النظام الإلكتروني جانبا وعاد لفوهة الماضي التعيس واستخدم الأوراق!.

ختاما، فإنه من العجيب أن يصرح أحد مسؤولي وزارة الصحة عندما تداخل معي في برنامج «معالي المواطن» قبل أسبوعين، قائلا: «إنه من الصعب ربط المراكز الصحية بالمستشفيات إلكترونيا»، فقلت له ببساطة: إذن لا تسموه ملفا صحيا إلكترونيا، فما تتحدث عنه ليس الملف الصحي الإلكتروني، بل هو شيء آخر، ولكن لكم أن تسموه ما تحبون.. وأما صديقنا الملف الصحي الإلكتروني الموحد «المنتظر» فإني أقترح أن تسموه -فضلا لا أمرا- ملف «الحلم».. وعسى ألا يكون من أحلام النهار!.