في مصر الكنانة، وقبل أيام، اختتم المؤتمر التاسع والعشرون للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، التابع لوزارة الأوقاف، بجمهورية مصر العربية الشقيقة: «بناء الشخصية الوطنية وأثره في تقدم الدول والحفاظ على هويتها»، والذي حظي برعاية كريمة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي؛ وما يمكن أن يقال عن المؤتمر كثير وكثير، ووسائل الإعلام واكبت ونشرت الفعاليات مشكورة، ولعلي أقصر كلامي هنا على بعض ما لا يمكن كتمانه، ولا يذم تكراره، وأبدأ بذكر الروح الجميلة التي عمت المؤتمر، والألفة الواضحة التي كانت بين كل الحضور؛ فالجميع كان على قلب واحد، وهم واحد، وبطريقة لفتت الأنظار.

قواعد كثيرة ثبتها هذا المؤتمر الناجح، الذي أداره فريق عمل متميز ومتمكن، قدم عملاً رائعاً، وأرسى جملة من القواعد، ومن أهمها تلك الذي ذكرها رئيس المؤتمر الدكتور محمد مختار جمعة مبروك، وزير الأوقاف المصري، وصاحب الهمم العالية، والمبادرات المتوالية، والنجاحات الكبيرة، ومن ذلك أن «إنزال الثابت منزلة المتغير هدم للثوابت، وإنزال المتغير منزلة الثابت عين الجمود والتحجر، وطريق التخلف عن ركب الحضارة والتقدم»، إضافة إلى ضرورة «قصر التقديس على الذات الإلهية، وعلى كتاب الله ـ عز وجل ـ، وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ.»، وأن «مصالح الأوطان، لا تنفك عن مقاصد الأوطان»..

المسمى العام للمؤتمر كان الرابح الأكبر، والقاسم المشترك بين بحوث وأوراق العمل، ولا سيما أن المعاناة من تجلية مفهوم المواطنة للناس كبيرة جدا، خاصة وقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الجماعات المتطرفة حاولت وتحاول دائما وضع الناس في تقابلية خاطئة بين (الدين) و(الدولة)، ودائما ما يستميت المتطرفون في تشتيت المجتمعات، من خلال ترديدهم أن (الدين) نقيض (الدولة)، وأن (الدين) ـ في زعمهم ـ لا بد أن ينشأ في معزل عن (الدولة)، مع الحرص الكامل منهم في إخفاء ما يقوله فقهاء المسلمين، من أن العدو إذا دخل بلدا، صار الجهاد واجبا على أهل البلدة، دون تفرقة بين ذكر أو أنثى، أو بين صغير أو كبير، بل حتى بين من كان منهم يحمل سلاحا أو كان أعزل، وحتى لو فنوا جميعا، ولا عذر لأي واحد من أهل البلد عن التقاعس في حماية وصيانة تراب وطنه، وسيكون عرضة للوم الشرعي لو قرر النجاة بنفسه، أو ظن أن هروبه منجاة يتمكن منها من أداء ما افترضه الله تعالى عليه.

أختم بأن من أهم النشاطات المصاحبة للمؤتمر، افتتاح «أكاديمية الأوقاف الدولية لتدريب الأئمة والواعظات وإعداد المدربين»، في ثوبها الجديد، وسر الحضور إعلان وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ، عن توأمة بين «الأكاديمية الدولية لتدريب الأئمة والواعظات وإعداد المدربين»، التابع لوزارة الأوقاف المصرية، و«معهد الأئمة والخطباء»، التابع لوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، والذي يهدف إلى إعداد الأئمة والخطباء، وتأهيلهم علميا وشرعيا بالمستوى الذي يتناسب مع حاجة المساجد والجوامع، والعمل على رفع كفاءتهم، وإدخال المجال التقني من خلال تلقي الدروس والدورات لضمان الوصول إلى المساجد في أي مكان بالمملكة، وشخصيا أتمنى اتساع هذه التوأمة لتشمل «المعهد العالي للأئمة والخطباء» بجامعة طيبة، و«معهد إعداد الأئمة والدعاة» التابع لرابطة العالم الإسلامي، و«أكاديمية تدريب الوعاظ والأئمة» التابع للأزهر، وغير ذلك من المراكز والمعاهد والأكاديميات؛ من أجل تكوين أئمة ودعاة ووعاظ مثقفين مستنيرين، والارتقاء بمستواهم الفكري، وإخراج جيل متجانس في أفكاره.