كم تخيلنا كيف سيكون شريك الحياة! وغالبا ما رسمنا صورة الشخص المثالي الخالي من الأخطاء، ولكن بالنسبة لكثيرين، وخاصة شباب هذه الأيام، بعد أن يتم عقد الزواج، وتمضي فترة ليست طويلة، يكتشفون أن حب حياتهم ليس مثاليا!.

 هل نستطيع أن نعرف الحب؟ هل الحب منطقي؟ إن وضعت سببا للحب فأنت تحب السبب وليس الشخص! ماذا لو لم يعد هذا السبب موجودا أو تغير مع مرور الزمن؟ ماذا سيحدث لحبك حينها؟ الحب يصمد حتى عندما تكون هناك أسباب قوية لعدم الحب؛ الحب الحقيقي هو الحب غير المشروط، أن تحب شخصا ما بدون سبب. كيف نصل إلى هذه المرحلة، ونتعرف عليها؟ نصل إليها حين نبدأ بأنفسنا، أن نتقبل أنفسنا، ونعترف بأننا نخطئ أيضا، فنحن لسنا ملائكة، ولنا أخطاؤنا، نعم لا نريد أن نخطئ بحق أحد، ولكننا للأسف نفعل! ومتى واجهنا هذه الحقيقة مع أنفسنا، وقررنا أن نفعل شيئا إزاء ذلك، فإننا نكون قد اعترفنا عندها بأننا بشر كبقية من حولنا.

 علينا أن نتقبل أننا دخلنا في العلاقة الزوجية لا لنغير أو نعدّل، فنحن قد دخلنا فيها لنكمل بعضنا البعض؛ كلٌّ بشخصية، وكلٌّ بسمات واحتياجات واتجاهات؛ علينا أن نحترم فردية الآخر، هكذا تكون البداية السليمة. أن تغير نفسك فقط هو المطلوب لا أن تغير شريك حياتك، لأنك كلما حاولت تغيير الآخر في العلاقة الزوجية ازداد الصراع، واتسعت الهوّة بينكما. ماذا لو كان هناك شيء يضايقك، ويعدّ تحديا أمام العلاقة؟ هنا يمكن أن تعرض الأمر كاحتياج وليس كنقد، لا أحد يحب الانتقاد، ومتى ما بدأنا بالنقد خسرنا الهدف، ففي العلاقة الزوجية لا يوجد شيء اسمه نقد بنّاء، فهو دائما يدمر! بينما لديك الحق في توضيح احتياجاتك، فأنت هنا لا تعلن أن هناك خطأ ما، بل كل ما تعرضه أن تفتح حوارا للتوصل إلى حل، وطالما أن الأمر قدم في إطار حفظ العلاقة الزوجية فإنه لا يشكل تعدّيا، أو يؤخذ على أنه جريمة، أو محاولة للأذى، بل الأمر برمته يخص العلاقة ونجاحها، من المهم هنا أن نتذكر أنه علينا أن نغذي ونرعى خصوصية الآخر رغم أننا نشكل وحدة واحدة؛ الأسرة، وهذا بحد ذاته روعة الحب، أن يكون هناك شخصان مختلفان جدّا، ويتحدان دون أن ينقص من أي منهما شيء، أن تكون جزءا من نفس أخرى دون أن تفقد نفسك.

 هناك كثير من الأمور التي لو فكرنا فيها حقا لوجدنا أنها لا تستحق أن نخلق بسببها خللا في العلاقة الزوجية، بل إننا يمكن أن نتحملها لو قسناها بأهمية العلاقة ككل، لننظر إلى الأمر من هذه الناحية، فقد تكون إنسانا دقيقا، وحين تحدد أمرا ما تريد أن يكون كما طلبت، ولكن الآخر ليس فوضويا، كما أنه ليس دقيقا مثلك: كأن تحدد وقتا معينا للقاء أو الخروج أو التحضير بينما الآخر يتجهز بعده بنصف ساعة أو ساعة، أو مثلا أنت رياضي وتهتم بصحتك ونوعية غذائك والآخر يكره الرياضة، ويتناول كل ما تقع عيناه عليه، أنت هادئ ورزين والآخر حيوي وثرثار... إلخ، حسنا، كيف نتصرف حينها؟ هل نقيم البيت ولا نقعده، ونعمل من الحبة قبة؟ أم نتراجع قليلا، ونقيّم هذا السلوك المزعج بالنسبة لنا؟ بأن نعطيه رقما من واحد إلى عشرة، فإن كان أقل من سبعة، فهل يستحق كل هذا الانتباه والمتابعة؟ هل هذه السلوكيات سبب وجيه كي أدمر علاقة؟ في كثير من الأحيان حين نراجع أنفسنا ونقيّم نجد أن الأمر لا يستحق، بل نستطيع أن نعيش بدون أن ننغص حياتنا، ولكن إذا حصلت على ثمانية أو تسعة، فإنه يمكنك الجلوس ومناقشتها في موقف «هذا ما أحتاجه»، ومرة أخرى ليس من مبدأ النقد، وتؤكد على أنه «هل هناك طريقة يمكننا التوصل إليها حتى نستطيع أن نغذي هذا الاحتياج»؟ الآن، ماذا لو كان المقياس عشرة والحوار لم يجدِ، قد يكون الآخر غير قادر على التوصل إلى فهم ألمك أو احتياجك، أو قد تكون أنت غير قادر على إيصال أو شرح الأمر بوضوح دون جرح أو مساس بمشاعر الآخر، لذلك فإن أفضل حل هو جلب مرشد علاقات زوجية أو شخص حكيم يثق به الطرفان ويحترمانه، كي يساعدهما على سماع بعضهما بعضا.

 مرة أخرى، الأمر ليس سهلاً، ولكنه أمر يستحق ذلك. إن زواجك يستحق ذلك، المهم أن يدرك الطرفان أن المشكلة «ليست مشكلتك وليست مشكلتنا، إنها علاقتنا». لأننا عندما ندخل في علاقة زوجية، فهي ليست: «أنا ضدك، أو أنت ضدي»، إنها محاولة خلق وحدة متكاملة هي «نحن». يجب أن نبقي على باب الحوار مفتوحا فيما بيننا، ونحاول أن نتواصل من خلاله حتى نجد طريقة مريحة للجانبين. إن العلاقة الزوجية ليست سهلة، بل صعبة، ولكنه جهد المحبّين.

وفي النهاية فإن نصيحتي هي ألا تذهبا أبدًا إلى السرير وأنتما في حالة خصام أو في نفس أحدكما شيء من الآخر، حاولا أن تصلا إلى حل للمشكلة حتى وإن سهرتما الليل كله، لأن حل التحديات أو المنغصات قبل أن تبدأ أفضل بكثير من محاولة حلها بعد أن تتفاقم في النفس، لأنه حينها سوف تكون ردة الفعل شرسة وعلى أقل «نكشة»! لذا من أجل زواجك وسلام الأسرة وصحة الأبناء النفسية، يجب أن نعتني بهذه العلاقة المقدسة، وألّا نسمح للخلافات بالنمو.

أخيرا أرى أن الحب الحقيقي هو ليس إلّا رؤية الآخر كما هو، وليس كما حلمنا كيف يجب أن يكون، والزواج هو أن نرى الآخر كما هو على حقيقته، وليس كما هو في خيالنا.. أن نحب يعني أن نتقبل.