لا يمكن القبول أبدا بالتمييز العنصري صغيرا كان أو كبيرا، فالعنصرية والتمييز هما أخوان ينتسبان لأسرة الكراهية التي تعدّ مرضا اجتماعيا أكثر فتكاً بالبشر من السرطان.

الخروج من عباءة العنصرية والتمييز لم يبدأ في العالم إلا منذ فترة قريبة في تاريخ البشرية، سواء بإلغاء الرق والعبودية، أو إدماج الفئات المنتهكة حقوقهم إلى الحيز الطبيعي لتأخذ مكانتها في المجتمعات. كان واضحا وبما لا يدع مجالا للشك أن الحربين العالميتين الأولى والثانية قد ارتكزتا على دوافع التمييز العنصري، وفي الحال ذاته ما زالت أسباب استمرار النهج العنصري مسيطرة على كثير من بقاع الدنيا، والنتيجة هي المآسي الإنسانية التي تعيشها البشرية اليوم ليس فقط في البعد السياسي والاجتماعي، بل حتى في الإطار الاقتصادي.

قبل أيام انتشر خبر في الصحف العالمية يقول إن باحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة تورونتو الكندية كشفوا عن تكنولوجيا «تمييز الأوجه»، التي تسوقها شركة (أمازون) الأميركية لمؤسسات إنفاذ القانون، تضل تمييز أوجه النساء، خاصة من تمتلك منهن بشرة داكنة، وذكروا أن الاختبارات التي أجروها كشفت أن تكنولوجيا (أمازون) تعرفت على النساء ذات البشرة الداكنة على أنهم رجال بنسبة 31%، كما أضلت التكنولوجيا تمييز النساء ذات البشرة الفاتحة بنسبة 7%، وبلغ معدل الخطأ في تمييز الرجال ذوي البشرة الداكنة 1%، في حين لم يكن هناك أي خطأ في تمييز الرجال ذوي البشرة الفاتحة.

وهنا قامت المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني وطالبت شركة «أمازون» بالتوقف عن تسويق خدمتها، بسبب مخاوفهم من التمييز العنصري ضد السود، كما طالب بعض مستثمري الشركة بالتوقف خشية التعرض للمقاضاة مستقبلا.

قد يقول قائل إن هؤلاء الأجانب يحبون تهويل القضايا خاصة فيما يرتبط بالتمييز العنصري! في الحقيقة ليس هناك تهويل أو تهوين، فالتمييز العنصري في الأول والأخير يؤخذ كـ«باكج» واحد يؤخذ كله أو يترك كله، ولا مجال للانتقائية فيه. فالتمييز هو وباء فتاك يبدأ صغيرا ثم يكبر، فلا يمكن أن ينجو من شروره أحد. ففي المجتمع الذي ينتشر فيه التمييز يصبح كل أفراده دون استثناء ضحايا. والأدهى من كل ذلك أن كل من يعطي نفسه الحق في التمييز ضد غيره، هو في الأول والأخير، يشرعن ويعطي الحق لغيره، من حيث يعلم أو لا يعلم، للتمييز ضده.

قبل أيام نشرت صحيفة الوطن تقريرا يكشف أن عددا من مطاعم المأكولات السريعة التي تزين جدرانها وديكوراتها الداخلية بأشعار تخالف الأنظمة والقوانين الحامية لهوية الوطن وإصلاحاته التنموية وأمثال شعبية حاضنة لنشر التعصب والعنصرية.. السؤال: هل انتهت عبارات التسويق التجاري بهذه الأمثلة الشعبية والألفاظ التي تحمل مضامين عنصرية؟ من المسؤول؟ في الحقيقة وزارة التجارة والاستثمار هي المسؤولة عن التصدي ومكافحة هذا النوع من التسويق المبتذل، فلا بد أن تفرض عقوبات صارمة لمن يقوم بالتحريض العنصري.

أخير أقول: التمييز العنصري بجميع أنواعه المختلفة (اللون أو الجنس أو الطائفة أو العرق) هو جريمة في كل منها، هي بالضرورة تعاضد الأخرى وتشرعن لها، فلا يمكن أن تجد نوعا واحدا من التمييز في مجتمع، وتختفي فيه بقية أنواعه.