في حفل رائع أعلنت هيئة الترفيه عن رؤيتها المستقبلية للترفيه في المملكة العربية السعودية، وكانت أولى المبادرات تلك التي تهتم بالجانب الديني لا سيما في شهر رمضان الكريم، ومن بينها مسابقة الهجرة بين مكة والمدينة والتي تعيد تاريخ تلك الهجرة الشريفة، وكيف استطاع خير البشر عليه السلام النجاة من تلك الطريق الوعرة والخروج بدينه ودعوته. ثم كان الإعلان عن الأمسيات الشعرية والمبادرات الترفيهية التي ظلت فترة طويلة تقام خارج حدود المملكة لشعراء وفنانين سعوديين.

كان الترفيه في مجتمعنا السعودي مقتصرا على الذهاب للأسواق والمقاهي والمطاعم ولعب الرياضة التقليدية في الحواري أو متابعة المباريات بين الفرق الشهيرة. وكانت عبارة ممنوع دخول الشباب عائقا أمام روح الشباب وعنفوان المراهق، الذي كان متنفسه الكبير شد الرحال إلى أي مكان خارج الحدود بحثا عن الترفيه والمتعة.

ومنذ صدور قرار إنشاء هيئة عامة للترفيه، وكما هو الحال مع أي قرار أو تغيير جديد، انقسم الناس بين مؤيدين ومعارضين. ويبادر المعارضون إلى مهاجمة ذلك التغيير مهددين بالمخاطر التي تهدد المجتمع وتفتت العقيدة وتصادر الأخلاق، وهي نفس المخاطر التي تم إطلاقها مع ظهور التلفزيون والدش والنت والجوال.

وبلغة الأرقام تؤكد التقارير أن السعوديين يحتلون مرتبة متقدمة في الإنفاق السياحي بما يقارب 7 آلاف دولار للرحلة الواحدة، ويبلغ الإنفاق السنوي للسعوديين أكثر من 40 مليار ريال، وتأتي دول ماليزيا وسيريلانكا وسنغافورة وتركيا في المراتب الأولى المفضلة للسياحة. كذلك تشير الإحصائيات إلى وصول السعوديين إلى دول تعاني من بنية تحتية ضعيفة وذلك بغرض السياحة كإثيوبيا وعمان واليمن (سابقا). وهناك ما يقارب مليون سعودي يصلون دبي سنويا من أجل السياحة والتمتع بالأماكن التي خصصتها حكومة دبي كمرافق سياحية وتدر دخلا كبيرا للدولة. وتذكر بعض الإحصائيات أن ما يقارب 50 ألف سعودي يعبرون جسر الملك فهد إلى دولة البحرين الشقيقة أسبوعيا!! كذلك فإن المغادرين إلى دول مصر والمغرب وأوروبا هي أعداد قريبة من تلك الأعداد التي تم ذكرها سلفا.

ورغم ما تحمله مبادرات هيئة الترفيه من أمل لضخ كل هذا الإنفاق في الداخل إلا أنها تواجه تحديات عدة، أهمها قدرتها على المنافسة وجذب المواطن إلى السياحة البديلة داخل الوطن، وصرف انتباهه عن مغريات السياحة الخارجية، كذلك من التحديات والتقاليد الاجتماعية التي جعلت شريحة كبيرة من المجتمع حبيسة الانغلاق وعدم تقبل التغيير، بل إنها ترى أن الترفيه داخليا غير مقبول ولكن لا بأس به خارج الحدود!!

كنت قد قلت في مقال سابق إننا لا نستطيع أن نعيش بمعزل عن العالم وأن التغيير قادم، وأن كثيرا مما كنا نراه خطرا ودمارا للمجتمع ثبت لاحقا أنه قد يكون مفيدا. فالإنترنت والجوال ووسائل التواصل لم تلغ هويتنا ولم تبدد قيمنا ولا زلنا ذلك المجتمع الذي يفخر بقيمه وثوابته.