عندما تخاطبك المنظمة التي تعمل فيها بالقول: إنك أنجزت عملا رائعا هذه السنة، وكل أفراد القسم قاموا بالمثل، ولكننا لا نستطيع منح جميع الموظفين تقييما عاليا. فعندها كيف ستكون ردة فعلك؟ وهل ترى هذا التعامل من منظمتك حافزا قويا لك في تقديم مزيد في الأعوام القادمة؟.

تعرف هذه الطريقة في تقييم أداء الموظفين بتقييم الأداء الإجباري أو التصنيف الإجباري (forced ranking method)، وتعتمد على وضع الموظفين بأعداد محددة مسبقا في ثلاثة تصنيفات إجبارية (ممتاز، جيد، ضعيف)، وقد تزيد إلى خمسة تصنيفات على حسب رؤية المنظمة وما تراه مناسبا، وهذه الطريقة عرفت في القرن العشرين عام 1980 من خلال شركة جنرال إلكتريك (General Electric) ومديرها التنفيذي جاك ويلش، الذي يعدّ من أكبر المؤيدين لهذه المنهجية في تقييم الموظفين.

أثارت هذه الطريقة الجدل بين خبراء الموارد البشرية، فكثير من المعارضين لها يرون أن ضررها أكبر من نفعها، ومثالبها أكثر من محاسنها، لتعارضها التام مع زيادة الإنتاجية ورفع المعنويات والعمل ضمن روح الفريق الواحد، فهي تخلق نوعا من الصراع السلبي والمنافسة غير الأخلاقية بين الموظفين، عكسا لما هو متوقع من تحفيز التنافس الشريف، فضلا عن زيادة حالة الاستياء العام التي ستزيد بطبيعة الحال من وجود خلافات بين الموظف ومعد التقرير السنوي قد تصل مرحلة رفع الدعاوى القضائية، وهذا ما أجبر كثيرا من الشركات على ترك منهجية التصنيف الإجباري والبحث عن أساليب بديلة لتقييم الموظفين.

قد تنجح هذه المنهجية مع المهن البدائية أو الأعمال اليدوية التي يسهل حصر نتائجها، فمثل هذه الأعمال قد تكون قابلة للقياس بعكس الوظائف في العصر الحديث، فهي ذات طابع خدماتي غير قابل للقياس، وترضخ بشكل كبير لتقنية المعلومات، لذلك فهي تعتمد المهارة والسلوك وطريقة التواصل مع الآخرين، وتقوم أساسا على مبدأ الابتكار والإبداع والعمل بروح الفريق، وكل هذا يتعارض جملة وتفصيلا مع مبادئ التقييم الإجباري، ولذلك فإن وضع أهداف وتصنيفات معدة مسبقا، وليس على معد التقرير غير حشو القائمة وتوزيع الموظفين في قوائم لا تعكس حقيقة العمل وما يحدث فعلا على أرض الواقع، لا يمكن تطبيقه بعدالة ومساواة في مهن عصر ما بعد الصناعة.

إن الأعمال اليوم تعتمد على مبدأ تطوير المهارة والتحسين المستمر والاعتماد على تقنية المعلومات، لذلك من المستحيل إرضاخها لطريقة التقييم الإجباري، فموظفو قسم تقنية المعلومات (IT) على سبيل المثال، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتحول مهامهم الوظيفية لمجرد مهام يمكن قياسها بشكل كمي من خلاله يمكن وضع قائمة للموظفين تشمل (ممتاز، جيد، ضعيف) بناء على ما أنجزوه (كميا)، ونفس الحديث ينطبق على موظف التسويق، لأن هذه الوظيفة معتمدة على روح الإبداع والابتكار وأساليب التواصل الفعالة مع العملاء، وكل هذا لا يمكن قياسه ووضع قائمة مهام وأهداف لها.

إن التصنيف الإجباري أسلوب غير عادل وغير منطقي بتاتا، فالموظفون الذين حصلوا على تقييم منخفض هم في الحقيقة ليسوا موظفين ذوي إنتاجية منخفضة، ولكن معد التقرير أُجبر على جعلهم كذلك، وعندما أمنح موظفا ذا إنتاجية عالية على أرض الواقع تقييما منخفضا لأنني مجبر على ذلك، فهذا مدمر لمعنويات الموظف، وسيخلق بيئة وظيفية غير صحية بلا أدنى شك، وهذا ما جعل كثيرا من الشركات ومن ضمنها شركة جنرال إلكتريك وميكروسوفت تترك هذه المنهجية وتستبدلها بمنهجيات وطرق أخرى للتقييم، وتحسين الأداء ورفع كفاءة العمل.

إن الأداء الوظيفي سلوك إنساني لا يمكن أن يتحول إلى بيانات كمية إلا إذا تحول الإنسان نفسه إلى رجل آلي أو آلة ميكانيكية تعمل بلا ملل أو كلل، وتقييم الأداء سيظل مسألة نسبية تختلف من شخص إلى شخص، ومن منظمة إلى أخرى، والشركات العالمية التي تتبنى منهجية التقييم الإجباري في تناقص مستمر، وقد تندثر هذه المنهجية في قادم الأيام وتصبح من تجارب الماضي المريرة.