لا تزال الأخبار تتوارد عن جرائم الحوثيين وإرهابهم، ولكن للأسف، فهذه الأخبار لا تلقى ما تستحقه من عناية وانتشار وردة فعل مناسبة باتفاق الكلمة على إنهاء الإرهاب والإجرام الحوثي، والسبب الرئيس في أن إرهاب الحوثيين يمر مرور الكرام دون عقوبة مناسبة، إنهم يتمتعون بدعم إعلامي وعسكري دولي، من أطراف عدة ومتناقضة لا يجمعها إلا الحقد على السعودية.

ومن آخر أخبار جرائم وإرهاب الحوثيين قيام ميليشياتهم، في منتصف يناير 2019 باعتقال وفصل عدد من ضباط جهاز الأمن السياسي في اليمن، بسبب رفضهم إعلان الولاء وأداء القسم على طاعة واتباع عبدالملك الحوثي، زعيم عصابة الحوثيين، ورفضهم أداء الصلاة على طريقة الميليشيا الحوثية الشيعية كونهم من أهل السنة، وذلك في ختام دورة تثقيفية أقامتها لهم الميليشيات الحوثية، حيث قال الضباط المشاركون إنهم ضباط دولة وليسوا أتباع حزب أو حركة، بينما اعتبر الحوثيون ذلك الموقف من الضباط الشرفاء إرجافا ورفضا «للمسيرة القرآنية» بزعمهم!!.

وهذه الدورات الثقافية - زعموا - في حقيقتها دورات طائفية تهدف لإرغام المجتمع اليمني - بكافة تنوعاته السنية والزيدية وما يحتويه من مدارس عقدية وفقهية متنوعة - على اعتناق طريقة الحوثيين المتحولين من الجارودية الزيدية إلى الشيعة الإثني عشرية بالجبر والإكراه.

إذ منذ الانقلاب الذي قامت به عصابة الحوثيين وهي تنظم دورات ثقافية لمختلف شرائح المجتمع من الطلبة والموظفين، تدرّس فيه «ملازم» مذكرات منظّر الحوثيين الأكبر حسين الحوثي، حيث يلجأ الحوثيون لإغراء المشاركين بقبول طريقتهم وتبديل معتقدهم عبر تقديم الطعام والقات، وذلك بعد إجبارهم بالحضور وإلزامهم بالدراسة!

ولم يقتصر الأمر على ذلك بل شمل تغيير طريقة الأذان للصلاة ليصبح على الطريقة الشيعية، ويبث في الإذاعة والتلفزيون، ومنع صلاة التراويح في رمضان، وتغيير مناهج التعليم، لتصبح تبعاً لطريقة الحوثيين، وفرض خطباء حوثيين في صلاة الجمعة على مساجد اليمن السنية، وإقامة طقوس عاشوراء الشيعية في الجامعات والمعاهد، كما قصف الحوثيون وفجروا وهاجموا 750 مسجداً، وخطفوا واعتدوا على 150 إماما وخطيبا!

وهذه التصرفات الحوثية اليوم تتناغم مع تصرفات كل أذناب نظام الملالي في طهران في الدول العربية، فالميليشيات الشيعية الطائفية في العراق تصادر أوقاف ومساجد السنة وتغلقها أو تحولها لصالحها، ومناهج التعليم تم تبديلها، وفُرض على الطلبة السنة في بغداد حضور محاضرات معممين شيعة في مدارسهم بعد إنشاء ما سمي «الحشد الشعبي التربوي»! وفي المناسبات الشيعية يتم إلزام الموظفين والطلبة السنة بالمشاركة في الطقوس الشيعية التي تقام في الدوائر الرسمية والجامعات!

وفي سورية أيضا هناك ضغط على السكان السنة للتحول الطائفي للتشيع في بعض المناطق التابعة للنظام، والتي سمح للميليشيات الإيرانية بالسيطرة عليها.

وهم في كل هذه السياسات الإكراهية والإجبارية يتشابهون بشكل كبير جداً مع سياسات تنظيم داعش الإرهابي، الذي يَفرض دورات تثقيفية على كل قاطني المناطق التي يسيطر عليها ويجبرهم على تبني غلوّه وتطرفه وإرهابه، ومن يَعترض على ذلك يُسجن أو يُقتل.

وكل سياسات الحوثيين وإخوانهم من الطائفيين وداعش هي اجترار لسياسات الصفويين الإرهابية والإجرامية قبل عدة قرون في إيران، والتي تسببت في تحويل إيران من دولة سنية كبقية دول المسلمين لتكون دولة شيعية عبر القتل والاضطهاد.

وقد قام المؤرخ الشيعي العراقي علي الوردي بتسجيل الكيفية التي فرض بها الشاه إسماعيل التشيع على السكان السنة فقال «اتخذ الشاه إسماعيل سبّ الخلفاء الراشدين وسيلةً لامتحان الإيرانيين، فمَن يَسمع السب منهم يجب عليه أن يهتف قائلاً (بيش باد، كم ما باد) وهذه العبارة تعني في اللغة الأذربيجانية أن السامع يوافق على السب ويطلب المزيد منه، أما إذا امتنع السامع عن النطق بهذه اللغة قطعت رقبته حالاً، وقد أمر الشاه بأن يعلن السب في الشوارع والأسواق وعلى المنابر منذراً المعاندين بقطع رقابهم»، وبهذا نعرف مصدر فكرة الدورات الثقافية عند الحوثيين في اليمن وإخوانهم الطائفيين في العراق وغيرها وحتى عند داعش، ربيبة الملالي!

كما سجل المؤرخ الإيراني أمير حسين خنجي جانباً من إجرام الشاه إسماعيل الصفوي والخراب الذي لحق ببلاد المسلمين بسبب إرهابه وطائفيته، بقوله «لم تكن مدن كازرون وفيروز آباد ولاغر –من مدن فارس- مستعدة للتخلي عن دينها والتحول للتشيع.. أصدر الشاه إسماعيل أمراً بالقتل العام لسكان كازرون وتخريبها عندما استولى عليها. وأمر بتخريب المساجد والمدارس وما سماها بقلاع الملاحدة ومزاراتهم، واستوت كل تلك الأبنية العالية بالتراب في مدة قصيرة».

ويصف أمير خنجى الخراب الذي أعقب احتلال الشاه لمدينة تبريز سنة 1502 فيقول: «لقد تحولت تبريز وأردبيل وباقي مدن أذربيجان – كما يتضح من مذكرات الفينيسيين وكتابات المؤرخين المتصلين ببلاط الشاه إسماعيل والشاه طهماسب – إلى مدن للموت والرماد والفقر والفحشاء في السنة الأولى من حكم القزلباش»، ويكاد يكون هذا هو الحال في ظل الحوثيين وإخوانهم في اليمن والعراق وسورية وغيرها.

ويقدم لنا د. ممدوح رمضان أحمد في أطروحته للدكتوراه، والتي كانت بعنوان «إيران السنية: الحياة الدينية في إيران قبل الصفويين» تفاصيل غنية للأحوال الدينية لمدة قرنين قبل الصفويين، وكيف أن الصفويين وعبر سياسات فرض التشيع في المدارس والمساجد والقضاء بتغيير المناهج والمعلمين والخطباء والقضاة والمفتين والفتوى وإجبار الناس على التناغم مع سب الصحابة والخلفاء، رضوان الله عليهم، والمشاركة بالطقوس الشيعية وقتل الرافضين، استطاعوا فرض التحول الطائفي على الإيرانيين من التسنن إلى التشيع!

ويرصد الباحث في أطروحته أن الصفويين كانوا تطوراً من طريقة صوفية تقبلت الأفكار الشيعية ومزجتها بالعسكرة ثم استولت على الحكم، وهو ما يكاد ينطبق على الحوثيين الذين هم في الأصل جماعة زيدية جارودية، تقبّلت الأفكار الشيعية الاثني عشرية وتعسكرت وخاضت عدة حروب مع الدولة، توجتها بالانقلاب التام على الدولة، وهذا المسلك أيضا ينطبق على وكلاء الملالي في عدد من الدول، فحزب الله اللبنانى هو عسكرة للطائفة الشيعية في لبنان تحت راية طائفية تضخمت حتى هيمنت على الدولة، وفي نيجيريا تحول إبراهيم الزكزكي من قيادة حركية في جماعة سنية لقيادة دينية شيعية، ثم تطور ليؤسس ميليشيا عسكرية اصطدمت بالجيش والدولة.

الخلاصة أن مشكلة الحوثيين وإخوانهم ليست البحث عن العدالة الاجتماعية أو الحكم الرشيد أو التنمية والنهضة الاقتصادية، فهي غائبة عن واقعهم البائس وواقع قبلتهم المتمثلة بنظام الملالي، فقضيتهم هي طائفية بامتياز.