إن من أشد الأشياء التي نهى الله عنها ورسوله، وتأباها الفطر السليمة، والعقول الراشدة، أن يتخذ الدين وادعاء الغيرة عليه سلما لتصفية حسابات حزبية، أو لطلب حصول مآرب سياسية، ومطامع دنيوية.

 وذلك لأن الدين أسمى من أن يريد به الإنسان لعاعة الدنيا ومطامعها، وإنما شرعه الله لعباده هدى للناس، وليعبدوه على بصيرة، ولا يتبعوا الأهواء كما قال تعالى (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون)، وقال تعالى (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)، ولهذا كان أول ثلاثة تسعر بهم النار - كما جاء في الحديث الصحيح - هم من اتخذوا الدين مجرد مطية لمآرب الدنيا، وهم مجاهد وقارئ ومتصدق، فيقال للقارئ العالم فيم تعلمت العلم وقرأت القرآن؟ قال: قرأت فيك القرآن وتعلمت فيك العلم، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم، وقرأت ليقال قارئ، ما تعلم لله ولا قرأ لله، فيؤمر به فيسحب إلى النار على وجهه نسأل الله العافية، وهكذا يقال لمن قال إنه يجاهد في سبيل الله: كذبت، ولكنك جاهدت ليقال هو جرئ، فيؤمر به فيسحب إلى النار على وجهه، ويقال لمن قال إنه تصدق وما ترك من سبيل يحب الله أن ينفق فيه إلا أنفق فيه. يقال له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ولكنك تصدقت ليقال هو جواد، يعني يقال إنه سخي ما هو لله بل لمراءاة الناس حتى يمدحوه ويثنوا عليه، فيؤمر به إلى النار، يسحب إليها على وجهه، والعياذ بالله، فهذا الحديث العظيم يدل على خطورة إرادة الدنيا بعمل الآخرة، ولذلك من كان يتخذ دعوى الغيرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيهول، ويهيج، ويكذب، ويسود المشهد، وكأن الناس هلكوا، والواقع أنه هو الهالك، وفي هذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من قال هلك الناس فهو أهلكُهم)، ورواية الرفع (أهلكهم) تعني أنه هو الهالك، ورواية النصب (أهلكَهم) تعني أنه هو الذي تجرأ وحكم بهلاكهم من عند نفسه وليس بحكم من الله، أقول هذا وأنا أستمع لبعض الناس في بعض الفضائيات ونحوها، يقولون: (لا بد أن تقام المظاهرات في العالم الإسلامي حماية لمكة المكرمة من المنكرات التي سيؤتى بها إليها)، نعوذ بالله من الكذب والفجور في الخصومة، يقولون هؤلاء متظاهرون بالدين، والغيرة عليه، وهم كما نرى من سلوكهم أبعد الناس عن الدين، وأحقد الناس على السعودية، لقد أرسلت صواريخ الحوثي التابع لنظام إيران إلى مكة المكرمة فصمتوا صمت القبور، إنني أتفهم حسدهم وحقدهم وكذبهم على السعودية، وهم في ذلك على سنن من قال الله فيهم (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله)، ولكن لماذا يقحمون الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم كاذبون ومنغمسون في المنكر، وكيف يزايدون على المملكة العربية السعودية، وهي لا نظير لها في العصر الحاضر في حماية الدين ونصرته، ومع هذا ليست هي بمعصومة من الخطأ، فالخطأ يقع في كل زمان ومكان، وولاة الأمر في بلادنا حريصون على إزالة كل ما نهى الله عنه ورسوله، ونسأل الله أن يوفقهم إلى كل خير.

 وإنكار المنكر يكون وفق المنهج النبوي، وليس منهج الخوارج والمعتزلة، الذي هو الإثارة وزعزعة الأمن، وإحداث المنكرات الكبرى.

 كما أنه ليس من المنهج النبوي المنهج الانتقائي في إنكار المنكر، فالإخواني مثلا ينكر منكرات اللبرلة ونحوها، ولكنه يغض الطرف عن منكرات الإخوان، ومثله الذي ينكر منكرات الإخوان، ولكنه يغض الطرف عن منكرات أهل اللبرلة، فهم أصحاب حزبيات ومآرب دنيوية، ومن كان قصده نصرة دين الله، فإنه ينكر المنكر، ويحذر الناس منه بالحكمة والموعظة الحسنة، سواء صدر من إخواني أو ليبرالي أو غيرهما، وأما الخطأ الذي قد يصدر من الحاكم المسلم فإن تغييره يكون وفق الحديث المتفق على صحته، وفيه قول أسامة رضي الله عنه عندما قيل له ألا تنكر على ولي الأمر قال: (أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم، والله لقد كلمته فيما بيني وبينه، ما دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه)، وفي صحيح البخاري (من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات، إلا مات ميتة جاهلية) ويروى عن النبي عليه الصلاة والسلام (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه).

 وقد بين الشيخ ابن باز المنهج السلفي في إنكار المنكر، فقال (ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير.

 أما إنكار المنكر دون ذكر الفاعل: فينكر الزنا، وينكر الخمر، وينكر الربا من دون ذكر من فعله، فذلك واجب؛ لعموم الأدلة).