وصلت الدكتورة مريم إلى قناعة أخيرة هي أن عملية إيقاظ أولادها الثلاثة لصلاة الفجر هي عملية شاقة ومعقدة في هذا الزمن الصعب..

أمضت مريم كثيرا من الوقت في إقناع أولادها بأهمية صلاة الفجر وفضل أدائها في المسجد، بل وخصصت مكافآت مالية لمن يلتزم بها منهم لمدة أسبوع فقط، لكن لم ينجح أحد، لا الدكتورة ولا الأبناء..

شعرت مريم ببعض الارتياح عندما أقنعت نفسها أن هذا الجيل صعب القياد.. وأن مجرد أدائه الصلاة حتى في المنزل يعتبر إنجازا، قياسا بكل الملهيات والمغريات التي يغرق فيها حتى أذنيه..

وهكذا تعودت على النهوض وحدها دون أن تتعب قلبها بإيقاظ الزوج أو الأبناء، تاركة لهم حرية أدائها متى ما استيقظوا..

وكان لهذا القرار آثار إيجابية على صحة قلبها الذي يكاد يتوقف وهي تجري محاولاتها الفاشلة لإيقاظهم، لكنها لم تكن راضية عنهم، وبالتالي ظلت العلاقة متوترة بينهم..

قرأت مريم منذ عام مضى عن فضل صلاة الفجر، وقررت أن تقوم بدورها في التزام أبنائها بها، قرأت عن كل الطرق التي تمكنها من ذلك وطبقتها أسابيع وشهورا.. وفي كل مرة كانت محاولاتها تبوء بالفشل التام أو الجزئي..

خرج المستأجرون من الطابق العلوي لبناية مريم، وحل مستأجر جديد لديه ستة أبناء تقارب أعمارهم أعمار أبناء مريم (بين السادسة والثامنة عشرة)..

وفي أول صباح سمعت مريم جلبة في الدرج مع نسمات الصباح الأولى..

لقد كان الجار وأبناؤه الستة يهبطون لأداء صلاة الفجر..

شعرت مريم بالسعادة والقهر في آن معا.. ودب الأمل في روحها مجددا..

لكنها ظنت ذلك حدثا عابرا، كما يحدث لها أحيانا عندما يذهب الزوج والأبناء للمسجد في حالات نادرة، أو في حال كانوا مستيقظين من الليل، مما يعني ضياع صلاة الظهر والعصر.

لكن الأمر استمر دون انقطاع.. وفي جميع الصلوات بلا استثناء..

مما دعاها إلى زيارة الأم للاستفادة من تجربتها الفريدة التي جعلت ستة أبناء يداومون على الصلوات في المسجد، فيما فشلت هي مع ثلاثة..

عندما قابلت مريم الأم كانت بسيطة جدا وشبه أمية، وعندما سألتها عن عمل الأب قالت إنه يعمل في الشرطة، سألت الدكتورة مريم الجارة أن تزودها بالخطة أو البرنامج الذي اتبعته هي وزوجها لتعويد الأبناء على أداء الصلوات في المسجد، فردت الأم بابتسامة..

سألتها مريم ما إذا كان الأبناء يمتلكون جوالات وبلاستيشن وما شابه فأجابت الأم بالإيجاب..

سألتها عن اهتماماتهم فكانت قريبة من اهتمامات أولادها، بل تكاد تكون متطابقة..

نزلت مريم وعقلها محشو بأسئلة لم تجد لها إجابات شافية، وأمضت ليلتها في التفكير المتواصل، عندما رفع أذان الفجر ألقت نظرة من فتحة الباب وهي تشاهد الأبناء يهبطون واحدا تلو الآخر من الدرج.. وكان آخرهم طفلا في السابعة يغالب النوم، ويهبط مستعينا بالدرابزين، قبل أن يهبط الأب ويختطفه مازحا، ثم يحمله على ظهره وهو يغدق عليه جملا من الثناء المتواصل للعمل البطولي الذي قام به، فتراجعت مريم إلى الخلف وألقت بنفسها على الأريكة، وقالت وهي تنظر لغرفة زوجها: أظن أنني عرفت السر..!!