تتجه أنظار عقلاء العالم اليوم إلى العاصمة الإماراتية، لمتابعة الزيارة التاريخية المشتركة لكل من قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، حيث من المقرر وصول شيخ الأزهر مساء هذه الليلة، ويعقبه بعد أقل من ساعة وصول البابا، في زيارة تعد الأولى له لشبه الجزيرة العربية، وستستمر حتى بعد غد، تحت اسم «لقاء الأخوة الإنسانية»..

جدول الزيارة حافل بمجموعة من الفعاليات والأنشطة المهمة، لقيادات دينية من جميع أنحاء العالم، من أجل تعزيز الأخوة الإنسانية ونشر السلام العالمي، وتأتي متزامنة مع إعلان دولة الإمارات العربة المتحدة الشقيقة عام 2019 عاما للتسامح، وترسيخا لدورها ومساعيها الهادفة لتكون عاصمة عالمية للتسامح والأخوة الإنسانية، والتزاما منها بتعزيز حوار الأديان والقيم المشتركة، وفي مقدمتها التسامح والتعايش السلمي بين كل البشر من جميع الديانات والعقائد والخلفيات العرقية المتعددة، وترسيخا لمكانتها كمنصة عالمية للحوار والتآخي والتضامن الإنساني، وتأكيدا لدورها في تشجيع الاستقرار والازدهار في المنطقة.

ومن الجدير بالذكر أن لدى دولة الإمارات تاريخا عريقا في التعايش بين الأديان، وحرية ممارسة الشعائر الدينية، فقد تأسست أول كنيسة كاثوليكية بأبوظبي، قبل 54 سنة، فضلا عن بقايا دير مسيحي، يرجع تاريخه لما قبل 1400 سنة تقريبا، وحاليا توجد 76 كنيسة ودار عبادة للديانات والعقائد المختلفة، وبعضها تبرعت لها بأراضٍ لإقامتها.

بطبيعة الأحوال سيتواجد في الناس من يعارض هذه الخطوة الفريدة، وسيحتجون بطريق عدم الفهم، بقوله سبحانه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}، ويغمضون أعينهم عن التصرفات النبوية التي قام بها من نزلت عليه تلك الآيات الكريمة، صلوات ربي وسلامه عليه، التي أكدت على أن الموالاة المرفوضة هي تلك التي تقتضي النصرة والتأييد على الباطل، ومع من أظهر العداء، وليس مجرد العلاقات الإنسانية التي تقتضي التعاون في القضايا المشتركة في مصالح الدنيا، ولعل أبرز دليل على ذلك، تأسيسه اللهم صل وسلم عليه، عقد المواطنة في المدينة، والمعروف بصحيفة المدينة أو وثيقة المدينة، والتي عقدها بين المسلمين وطوائف المدينة المختلفة، وفقا لتشريع الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}..

الأخوة الإنسانية، لا تعني بحال من الأحوال التخلي عن الدين، فقد قال سبحانه: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، وقال جل جلاله: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}، وقال عز من قائل: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}، وقال في محكم تبيانه: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}.