ضاقت الأرض بما رحبت على أم غانم بسبب ابنها المقصر في أداء مهامه وواجباته المدرسية، وشعرت لوهلة باليأس بعد أن استنفدت الطرق المتاحة لتعديل مستواه، ومما زادها حزنا وألما أن ابن جيرانهم حاتم الذي يماثل غانم عمرا طالب شديد النباهة في المدرسة، ومتفوق بارز، ويحصل على الأوسمة يوما بعد آخر، بينما لا يعود لها غانم سوى بإشعارات الضعف وخطابات استدعاء ولي الأمر التي ضاقت بها ذرعا في ظل غياب والده.

قررت أم غانم القيام بزيارة عمل خالصة لأم حاتم بعد أن أخذت موعدا مسبقا معها.. كون الأخيرة دائمة الانشغال بعملها الذي يمتد لساعات طويلة على فترتين.. وسألتها عن الأسلوب الذي تنتهجه مع حاتم حتى وصل إلى هذه المرحلة من النبوغ والتفوق.. لا سيما وهي تعتقد أن غانم يتمتع بقدرات ذهنية تساوي أو تفوق قدرات حاتم.

فأجابت أم حاتم بهدوء:

حاتم يعتمد على نفسه بشكل كامل منذ عدة سنوات، بسبب انشغالي الكامل بعملي لتوفير لقمة العيش بعد وفاة والده.. فهو يكرس كامل وقته لاستذكار دروسه والقيام بواجباته المدرسية، ويضع لنفسه خطة ويلتزم بها دون أي تدخل مني، إنه يحقق ذاته، ويستمتع بأداء واجباته واستذكار دروسه.

هنا لمعت في ذهن أم غانم فكرة فبادرتها مستأذنة:

أظن غانم يحتاج أن يعيش يوما كاملا مع حاتم، ليستفيد من هذه التجربة الجميلة، وكما تعلمين أن الأطفال يتعلمون من أقرانهم أكثر من والديهم.

أجابت أم حاتم:

أنا لا مانع لديّ، لكن القرار بيد حاتم، فهو يمقت الطلاب المهملين وعديمي المسؤولية والطموح.

أجابت أم غانم وهي تتحسس حقيبة يدها:

دعي الأمر لي.

وهكذا وافق حاتم على استضافة غانم يوما كاملا بعد أن دسّت أم غانم في جيبه مبلغا من المال.. كما فعلت الشيء نفسه مع غانم ليقبل بخوض هذه التجربة الصعبة مع أفضل طالب في المدرسة.

عاد غانم، وكانت الأم متعطشة لرؤية نتائج هذه التجربة على ابنها، لكنها لم تلحظ أي تحسن، فالحقيبة مقفلة وملقاة على الأرض كما هي العادة، وغانم يقضي وقته كيفما اتفق، بلا هدف ولا عمل.

لكن الصدمة كانت عندما رُفع أذان العصر، ولم يبادر كعادته للوضوء والانطلاق نحو المسجد، وعندما أقيمت الصلاة واصل لا مبالاته مما أثار حنقها.. فصاحت به:

ألم تسمع الأذان ثم الإقامة؟!.

رد ببرود بلى يا أمي.

- قالت فلماذا لم تجب..!؟

- لأن حاتم وهو الطالب الموهوب المحبوب المتفوق النابغة لا يصلي.

قالت بغيظ:

هل هذا هو كل ما تعلمته من حاتم؟.. أن تترك أجمل ما فيك.. أداء الصلاة في المسجد؟.

أجاب بلا مبالاة:

- لا يا أمي.. ليس في المسجد.. حاتم الذي أرسلتني لأتعلم منه لا يصلي أصلا!.