تجمع سكاني ضخم، يضم ما يفوق مليوني نسمة، يفرز عشرات الآلاف من المرضى -لا أقول يوميا- بل على مدار الدقيقة وليس حتى الساعة. حالاتهم تراوح بين الخطيرة جدا إلى الخطيرة إلى العادية.

هذا التجمع الضخم القابع على مرتفعات منطقة عسير، يفتقر بشدة إلى مدينة طبية تلبي احتياجاته الأساسية. فعندما تتحدث عن حاضرة هذه المنطقة الشاسعة -أبها- تجد أنه ليس لديها مستشفى عام مستقل أصلا، ولا حتى مركز قلب متخصص. هذه البقاع الشاسعة المتنوعة التضاريس كثيرة الحوادث المرورية، وذات النسبة العالية على مستوى المملكة في الإصابة بمرض السكري، وما يتبعه من جلطات وفشل كلوي، انتهاء ببتر أطراف وعمى... إلخ، هذه المنطقة ككل والغالية من بلدي العظيم، ليست لديها مدينة طبية تخدم مرضاها، وتقدم لهم الرعاية الصحية بالشكل الكافي.

فقسم الباطنية في مستشفاها، الذي يحوي المستشفى العام والمركزي في آن واحد، لا يتعدى هذا القسم بضع غرف، وقسم العلاج الطبيعي لا تتعدى مساحته 30 مترا مربعا، ولا تحدثني عن أقسام الطوارئ، فيزداد بي الشجن!.

مقابل هذا العجز الباهظ، قام مدير الشؤون الصحية بالمنطقة لرأب هذا الصدع، بتشغيل 4 مراكز صحية على مدار 24 ساعة،  واستقطاب كوادر تغطي العمل الكبير .

لكننا وما زلنا -وهذا خارج عن إرادته- نرى العشرات من المرضى يوميا يمتطون الطائرات ذهابا وإيابا إلى مستشفى الملك خالد للعيون، وجماعات أخر إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي، وآخرون إلى مدينة الملك فهد الطبية، وغيرهم كثير ممن يتوجهون إلى المنطقة الشرقية والمنطقة الغربية، طلبا للعلاج الذي تعذر وجوده في منطقة عسير الغالية.

وبالمناسبة، ومن وجهة نظري فلا تنتظر منهم أن يتوجهوا إلى المستشفى العسكري، فهو الآخر لا تقل حالته الصحية سوءا عن صاحبه «مستشفى عسير المركزي».

السيئ جدا والمحزن في الأمر، أن من حصل له -وما أكثرهم- انفصال في شبكية العين -كواحد من مضاعفات مرض السكري- فإنه لن يتمكن من عملية جراحية تتلخص في ضخ الغاز داخل حجرة العين لمحاولة إعادة النظر، إلا عندما يتوجه إلى مدينة الرياض لمستشفى العيون.

وللأسف، فإنه سيفقد بصره قبل أن يصل إلى الرياض «فالعصب لا يرحم»! كما أن من حصل لابنه عيب خلقي في المثانة البولية -مثلا لا حصرا- أو كأن تكون مثانة عصبية، فإنه لن يتمكن من علاجه إلا في «التخصصي»‘ بل إن من حصل له «ناصور» علوي فإنه لن يستطيع علاجه إلا في الرياض.

فضلا عن أمراض السرطان الكثيرة، وما يتبع ذلك من مواعيد ومراجعات وتكاليف سفر ومؤونة وسكن وتغيب عن الأعمال الوظيفية، بل وتشتت أسري!

ختاما، فإني أعتقد أن الصورة واضحة جدا من ناحية الاحتياج، ولا حاجة لإيضاح أكثر أو استطراد، وسيكون الحل أقصر بكثير من رسم صورة واقع سكان منطقة عسير المرير. فالحل ببساطة في يد وزارة الصحة، بانتشال تلك «المدينة الطبية» من وفاتها الدماغية التي أخشى أن تكون قد أوصلتها إلى موت «سريري».

ولعل مقالاتنا هذه تعمل عمل التنفس الصناعي لصاحبتنا الميتة دماغيا، فلربما أعاد الله الحياة في جذع دماغها، فعادت كأن لم تمت بالأمس. والله على كل شيء قدير.