في عالمنا، وأقصد عالم الوعي، يعز على الإنسان وجود من لا يحمل الدرجة الكافية من الوعي، الذي يمكّن صاحبه من تفسير الحوادث بما يتحمله واقع الدنيا، ويصعب جدا على النفس أن تسمع أو تشاهد من يتعب نفسه في تأويلات ما أنزل الله تعالى بها من سلطان، وهنا أتكلم تحديدا عن زيارة فضيلة شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، وبابا الكنيسة الكاثوليكية، لعاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، ومؤتمر الأخوة الإنسانية، الذي اختتمت أعماله قبل أيام، وما صاحبته الزيارة من توقيع لوثيقة الأخوة الإنسانية، وجميع ذلك قام الإعلام العالمي بتغطيته، وتابعه المهتمون بالعيش المشترك.

التأويلات الخاطئة المصاحبة لما قدمت ذكره آنفا، منها ما هو (ديني)، ومنها ما هو (نفسي)، ومن التأويلات ما يمكن إرجاعها إلى غير ذلك، التفسيرات الدينية سأتجاوزها عمدا، لأن الدين الإسلامي وبحسب آيات الله -سبحانه تعالى- وبحسب أفعال سيد خلقه -صلى الله عليه وسلم- أثبت حرية معتقدات الناس، وأن عليهم أن يتعارفوا فيما بينهم، لا سيما أن الله -جل جلاله- خلقهم جميعا من نفس واحدة، وتبقى التفسيرات غير الدينية عندي، أكبر المعضلات والمعيقات، (خاصة عندما يمنع الإنسان نفسه أو يسحبها) من الجلوس أو الحوار مع غيره، ممن لا يسير على هواه، أو يحمِّل الأمور ظنونا ليست في محلها، من جنس نظريات المؤامرات المخفية، التي ملّ الناس سماعها، أو الوهم بوجود صراعات على تصدر المشهد العالمي، وكأن الأديان تابعة للجنس أو الجنسية.

الأدوار التي يمكن أن يقوم بها الناس في هذه الحياة كثيرة جدا، ولا يمكن لفرد أو جماعة أن تقوم بكل الأدوار. وعلى كل واحد، في هذا الكون الفسيح، أن يغتنم الفرص التي تعينه على إسعاد نفسه، ومن يجب عليه إسعادهم، وإسعاد من حوله من الناس.

عندما يقوم الأزهر الشريف، ومجلس حكماء المسلمين، بالدور الإنساني العالمي، لا يصح أبدا أن يفهم منه الإلغاء لغيره، وعندما تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بدورها من أجل الإنسان كذا الإنسانية، لا يصح تأويل ذلك خارج إطار العقل، كما يردده الذين يريدون أن يكون الجمال الكوني حصرا عليهم، ولا يمكن أبدا لمن يحمل الوعي الذي بدأت به مقالي، أن يقول إن المملكة العربية السعودية قصرت في خدمة البشر والبشرية، أو إن جميع قادتها لديهم واجب أكبر وأعظم من واجب خدمة الحرمين الشريفين وزوارهما، أو إنهم لا يقومون بالدور الروحي أو العلمي للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، كما لا يمكن أبدا نجاح المساعي البائسة في إيجاد خلاف بين المؤسسات الدينية في المملكة العربية السعودية راعية الحرمين، وجمهورية مصر العربية حاضنة الأزهر الشريف، ودولة الإمارات العربية المتحدة داعمة مجلس حكماء المسلمين، أو الظن بعدم وجود توافق في توجهات قيادات هذه البلدان على ضرورة (الشجاعة) في مقابلة ما يظنه البعض ممنوعا، من نحو أن الكون لا يمكن أن يتسع لكل الناس، أو أن قدر العالم هو أن تستمر الحروب، وأن تنزف دماء الأبرياء، وأن تكون الكراهية مسيطرة على الناس، أو أن التعايش ليس هو السبيل الوحيد لتعزيز السلام بين البشر، على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم وثقافاتهم، أو أن سوء الظن ينبغي أن يسود المشاهد كلها.