ولدت وفي فمي ملعقة من نور.. فأضاءت لابتسامتي مضارب الأحلام المنصوبة..

ولدت قبل ميلاد الشمس.. فأضاءت قمم الجبال وشواهق النخيل، غسلتني الصحراء بالستر.. فطبطبتُ على رمالها الذهبية بأناملي المبللة بماء الشموخ..

كل واحة من بلادي..

كل بستان وحديقة..

كل مزرعة..

كل واد وسهل.. مرت عليه عباءتي السوداء فأزهر..

لم تمنعني الريح الغاضبة من ارتداء حجابي.. ولم يفلت مني في اليوم العاصف.. كنت أقوى.. دائما كنت أقوى..

دعوا عنكم الأقاويل والأحاديث والصور الخرساء والمقاطع المهزوزة..

دعوا عنكم المطارات الجرداء والسفارات المأجورة..

سلوني أنا..

سلوني عن شعوري وأنا أرتدي حجابي وكأنني أتدثر بحرير الجنة..

راقبوا تلك الفتاة الصغيرة ابنة الثانوي الرقيقة.. وهي تغسل حجابها السابغ قطعة قطعة.

هي لا تغسله مع الملابس البيضاء لأنه رقيق لا يحتمل معالجات الغسيل القوية.. ولا تغسله مع الملابس الملونة حتى لا يبهت سواده الصقيل.. ولا تغسله بمساحيق الغسيل العادية حتى لا تؤذي قماشه الرقيق.. بل تغسله بشامبو خاص به.. ثم تمرر المكواة عليه برفق.. ثم تعلقه بحب.. وكأنه قطعة منها انفصلت عنها طوعا.. لتتحدث نيابة عنها في مهرجانات الكلام الصاخبة، وتقف دونها في هجير الأحداث وزمهرير الشوارع..

سعودية هي..

سعودية أنا..

شربتُ من نبع خديجة حد الارتواء.. والتهمتُ تاريخ عائشة وسمية حد الشبع.. ولذا حين كنت نورة بنت عبدالرحمن لم تهزمني ضراوة الصحراء، كتبت بحجابي تاريخ السعودية الجديد.

ابتسمت وأنا أسمع معجزة القرن الملك عبدالعزيز يعلو صوته صليل السيوف وصهيل الخيول وهو يقول: أنا أخو نورة..

2019/1440

وما زلتُ نورة.. وما زالوا إخوان نورة..!!

ما زال المجد يجر رداء الخيلاء على رمال الجزيرة الشهباء..

ما زالت الشمس تغرس سهامها الذهبية في كبد الصحراء فتسيل أنهار الجمال من بين أصابعي..

لا تصدقوا كل ما يقال في السوشل ميديا.. قفوا بين مقبرة العود والبقيع.. لتدركوا أن التاريخ لا يموت..

وخلف خديجة التي استحى جبريل أن يراها حاسرة الرأس وقفتْ نورة التي كتبت التاريخ بحجابها السابغ.

وخلف نورة وقفت أنا وملايين السعوديات.. نسطر للصحراء حكايتنا الجديدة.. ونمرر مكواة الأحداث الملتهبة على أصغر قطعة من حجابنا فتعود جديدة من جديد…!!!