تداول نشطاء منصات التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الماضية، صور مقارنة لصورهم الشخصية «2009» وأخرى خلال هذا العام «2019»، وتفننوا في إخراجها وانتقائها، إلا أن جزأها الأول لم يعد لهم فيه يد، فليس لأحد القدرة على صناعة المكان أو الزمان أو المكونات والمؤثرات التي شكلت في مجملها عناصر الصورة الجمالية. فما مضى تم تشكيله واختيار عناصره في مرحلة لم يكن حاضرا في الذهن دخوله منافسة أو مقارنة في وقت ما، بينما الصورة الحيّة الحالية هي التي يحاول صاحبها خلالها انتقائية مميزة تشكل في إجمال محتوياتها تفوقا ملموسا على سابقتها، في تنافسية مع الذات بمعايير ذاتية تحتكم فيها الشخصية إلى مقاييسها الخاصة، في تلمس الجوانب الإبداعية والفنية التي تجعل من ذوقه الخاص راضيا عن صورته المنعكسة عن ذاته.

وبالطبع، سيكون في المونولوج الداخلي لتحليل المضامين ومعايير الاختيار هو الأفضلية من ناحية الجمال وإبراز الفتوة والشكلية المثالية، في حين أن اللحظات التصويرية المستجدة الآن هي انتصار على الذات الماضية، يتحكم الشخص في موجوداته، ويتمكن من صناعة مفرداته، ويعيش نشوة لحظاته ويفصل تلك اللحظات في صورة مثالية تتفوق على ذاته السابقة، وتنسجم مع ذوقه الآني في مقارنة سطحية شكلية أخذت في الحسبان رحلة الملامح عبر الزمان في مسافة 10 سنوات صنعت على الوجوه ميزات، ورسمت عليها إضافات، وخلّفت فوقها تراكمات، وأبقت عليها آثارا مختلفة.

فبعضهم يتفاخر بشبابه الغضّ أو نضارته الزاهية أو قامته الفارعة، وبعضهم الآخر بملبوساته الفاخرة، أو مستلزماته الشخصية، ولكل في ذاته منحى مختلف، ورؤية منفردة خاصة.

كانت تلك هي الجوانب التي دفعت بعض هؤلاء إلى المقارنة بين صورهم المستوحاة من الذاكرة والنابعة من اللحظة، من ناحيتها الشكلية وبنائها التصويري. لكن اللافت -في نظري- هو البعد القيمي والحضاري في مسيرة هؤلاء والمجتمع برمته خلال هذه الفترة التي عبرت من تاريخنا، لنتلمس في تلك الصور البعد القيمي والفكري والدور الحضاري، وما صنعته فينا 10 سنوات من خبرات ومعارف، وما عززته من سلوكيات وقيم وتوجهات، وما كانت عليه تلك الصورة قبل 10 سنوات من طبيعة في العيش والوظيفة والمكانة الاجتماعية والمسكن والأسرة والمسؤولية، وتصنيفها على قائمة مكتسبات العلم والمهارة المعرفية في سلم المدرسة والجامعة، ودورها الذي كانت عليه في مدرج خدمة الإنسانية، واهتماماتها وميولها، وما كانت تحمله من طموحات وتطلعات وما هي عليه الآن، ودورها الإنساني وما حققته في ترتيب التطلعات وما وصلت إليه، وما تبقى في جدول الاهتمامات النافعة، وما مدى التحول المعرفي في مكونات عقليات ألقت عليها تلك المسافة الزمنية بتحولاتها العظمى، في مجال التكنولوجيا والطفرة الرقمية والذكاء الصناعي والصراع الحضاري والسباق المحموم في شتى المجالات؟.

أين تقع 10 سنوات في تصنيف الحياة «ذات المعنى» لدى هؤلاء؟

هل هي في سلة الفرص الضائعة في زحمة المغريات واقتناء الملهيات والاستغناء بوافر الثروات عن صناعة المستقبل الآمن الذي تتوافر فيه أسباب النجاح لاقتناص الفرص القادمة، بما يمتلكه من مقومات ومؤهلات وبرامج وتطوير للذات؟، هل قرأنا ما لا تستطيع عدسة التصوير أن تلتقطه من مقومات نجاح الشخصية بما يتوافر في مكنونها من قدرات وكفاءة وتمكُّن؟

كلٌّ يستطيع أن يقرأ تفاصيل صورته من هذه المنطلقات والأبعاد، ويضع معايير تقييم الذات من جديد.

والمهم في زحمة التساؤلات: هل كان الفارق بين تلك الصورتين إلى الأفضل أم العكس؟، هل كانت الفترة الزمنية التي قطفت من زهرة العمر ثروة اليوم وبوابة الغد أم إنها حسرة التفريط وندامة الإهمال؟.

وفي لحظة توقف مع النفس، كل منا يستعيد فيها شريط الأمس، ليكشف مسيرة عقد من الزمن مضى من حياته، فيها محطات للنجاح وأخرى للإخفاق، والأهم ألا تصل إلى مرحلة إفلاس يخرجنا من دائرة الحياة الهادفة، أو يخجلنا من الوقوف أمام مرآة الزمان التي نرى فيها أنفسنا على صور هامشية لا ترضينا.

إن دروس الماضي تحفزنا إلى التأمل في صورتنا القادمة التي سنلتقطها بعد المسافة الزمنية ذاتها، لنجعلها في محتوى أعمق تتكامل فيه جوانب متعددة من الحس الجمالي والفكري والقيمي، ونقلة نوعية في التوجهات والمكتسبات والمؤهلات والاستعدادات، التي تحملنا مع مكوناتنا الاجتماعية ونسيجنا الوطني إلى صورة أكثر إشراقا، بملامح متغيرة نحو الأفضل في دورنا الذي سيكون أكثر حيوية، لا يتوقف عند المظاهر الخارجية والفوارق السطحية، ويشكل الصورة الجمعية الناصعة التي تحتفل بتفاصيل الجمال في معطياتها الإيجابية لوجود مكوناتها الفردية على مسرح المنافسة العلمية، والمزاحمة الفكرية الناضجة والاكتشافات الإنسانية وخدمة البشرية، وترسيخ رسالة الدين الإسلامي العظيم الذي جعله الله سعادة لكل الناس، وصورة حية للتسامح والتعايش والنضوج وسمو الغاية.

فإلى عام «2029» ولو نزيده عاما ليكون «2030» احتفظوا بصوركم واصنعوا زهاءها ونقاء محتواها من اللحظة، وارسموا أبعادها السطحية والعميقة معا، واستعدوا لحيازة قيمة أعلى لحظة التقييم المقبلة، في إحدى محطات وطننا التاريخية التي تشكلون فيها أهم القيم وأغنى المخرجات وأثمن الإنجازات.