مجتمعنا العربي والخليجي على وجه الخصوص يتعرض بشكل دائم لهجمات دعائية مغرضة، وهي ما يعرف (بالدعاية السوداء أو الرمادية) بشكل ممنهج، الهدف منها بث الفرقة وانعدام الاستقرار وتبديد الثروات، ففي ضوء ما تم الاطلاع عليه كباحث وقارئ لكثير من الدراسات والأبحاث والوقائع في مجتمعاتنا العربية، حول مفهوم الدعاية وأنواعها وارتباطاتها الملتصقة بالجماهير، يمكن تفسير الأسلوب الدعائي بأنه مجموعة العناصر القادرة على خلق ردة فعل محددة ومقصودة بالنسبة للمخطط الدعائي، والذي عادة ما يختبئ خلف وسيلة إعلامية من أجل تحقيق أهدافه عبر منظومة إقناعية تتواصل في توجهها لجمهور مستهدف.

وبالتالي نجد أن لها تأثيراً موجها وقويا للجماهير سواء أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، فصناعة الدعاية وأساليبها وطرقها ومنهجها، التي تهدف إلى إقناع الجمهور وكسب تأييده، لتبني أجندات وأفكار تم ابتكارها بطرق مختلفة، بدأت منذ القرن الماضي في بعض المجتمعات، فعلى سبيل المثال لولا الدعاية لما کان بإمكان التغيرات الكبري التي حصلت سابقا مثل الثورتين البلشفية والصينية أن تحدث. فالدعاية هي التي ساهمت ومكنت لينين من إقامة النظام البلشفي، وکانت وراء بناء النظام الشيوعي في الصين، والدعاية أيضاً هي التي فتحت الأبواب أمام وصول هتلر إلى السلطة، وبعد ذلك بدأ مفهوم الدعاية يتبلور كعلم وفن ذي أدوات وأساليب متنوعة، فمنذ معهد تحليل الدعاية الأميركي الذي أنشئ عام 1939 والذي أرسى القواعد الأسلوبية الدعائية، وما تبعها من تطوير ومحاولات الفرنسي جان ماري دومينك، ومن ثم صياغات الأميركيين براون وهولستي ووايت رالف، التي تعد بنتائجها العلمية الفنية الرائدة في مجال الأسلوبية الدعائية، كما ذكر أحد الكتاب العرب أن الدعاية تعتمد على استخدام أساليب نفسية للتأثير كي تستبق قرارا من القرارات وتزج بالفرد في تيار من الفكر، وتسطو على الضمير والإرادة معاً.

 وترتكز الدعاية لنجاحها علي (دراسة سيكولوجية الجماهير) بحيث تتفق مع الاستعدادات النفسية والقيم والعقائد والمشاعر والأفكار السائدة لاجتذاب أكبر عدد ممكن من الجمهور بفئاته واتجاهاته، فعلى سبيل المثال تجد الدعاية الموجهة للوطن العربي دائماً ما تلامس المعتقدات الدينية، بحكم أن مجتمعاته متمسكة بالدين وتحاول أن تشرع بعض المواضيع وتربطها بالجانب الديني، مثل تسييس مسألة الحج التي قامت قناة الجزيرة بفعلها، واستأجرت أبواقا ليناقشوا مثل هذا الموضوع، فموضوع الحج يلامس عواطف المجتمع ويهمهم أمره، وبالتالي جرى التركيز عليه، كما أن من بين الأساليب الأكثر انتشار وممارسة:

أولاً: استخدام القوالب النمطية، وهي تصنيف الشعوب والجماعات والمجتمعات حتى تستطيع أن تغلب فئة على فئة، وتحرك فئة على أخرى.

ثانيا: إطلاق التسميات، فالمخطط الدعائي يلجأ إلى وضع إشارات أو رموز مثيرة للمشاعر وبانتقاء المفردات والكلمات الرنانة لإخفاء حقيقة النوايا، والمطلوب من الجمهور أن يتجاوب مع الرسائل، مثل ما حصل في فرنسا أخيرا وتناولته وسائل الإعلام من كلمة أصحاب السترات الصفراء، وهي حركة احتجاجات شعبيّة ظهرت في مايو 2018 ثم زادت شهرتها وقوّتها بحلول نوفمبر من نفسِ العام، حيثُ تمكنت من إشعال فتيل المظاهرات في فرنسا، والتي انتشرت بسرعة، وكانت وسائل الإعلام والجماعات المعارضة تستخدم هذا المصطلح لقبوله اجتماعياً، بدلا من استخدام مصطلح الشغب والمعارضين.

 ثالثا: الاختيار، فصانع الدعاية يحدد البرامج ومواده الاتصالية ومراسليه والمتحدثين بلسانه، فتجده يقوم بعملية التضخيم ويبني سيناريو الضحية والجلاد، وهذا ما تمارسه قناة الجزيرة والعاملون فيها من شيطنة الجهات المخالفة لنظام التدخل القطري في شؤون جيرانها والوطن العربي.

الأمر الرابع هو التكرار: وهو طريقة إعادة المعلومات والأفكار وبطرق مختلفة لمحاولة تقبل الأفكار والرسائل الإعلامية والمضامين، وأن تختزل في ذاكرة المتلقي، فمثلا مفهوم أميركا راعية الديمقراطية مفهوم تكرر بأفلام ومناقشات وحوارات وإعلانات ومنتديات وبشكل متكرر، فلا تجد كاتبا أو مفكرا أو سياسيا إلا ذكر مثل هذا المفهوم في حديثه عن الديمقراطية ويكرره ويستشهد به، على الرغم من أنه قد يكون غير مقتنع به بالمطلق.

الأمر الخامس، التحويل: وذلك من خلال ترسيخ أفكار عن أفكار بأشخاص معروفين محببين للنفوس لجعل الجمهور المتلقي يؤدي تلك الأفكار أو يقدر الأشخاص أو يرفضهم، وعادة ما تستخدم بالأوساط الدينية، أو من يكون لهم شعبية فيحاولون اجتزاء كلماتها لتوظيفها بما يخدم مصالحهم، وخاصة إذا كان الهدف التأليب ضد شخص أو مجتمع بأسره.

إن الأساليب الدعائية السوداء كثيرة ومتنوعة تمارسها كثير من الدول وتعتمد على التزييف والأكاذيب والتلاعب بالعقول وخلق عدو، ليستطيعوا بذلك التحكم بالجماهير ذات الوعي المحدود، وهذا ما نراه جليا في ممارسة القنوات القطرية مع شعبها.