يتحدث كثيرون عن فن التسامح، وعن أن النفوس الكبيرة وحدها تعرف كيف تسامح.

نعم، هي صفة صعبة يفتقدها كثيرون من البشر، خاصة أننا نعيش في عالم ينتشر فيه التشدد كانتشار النار في الهشيم، وتدبّ فيه الكراهية كدبيب النمل، وتتعدد فيه أنواع ومبررات التطرف والإقصاء والتمييز، من أسباب عرقية أو عنصرية أو لغوية أو دينية أو مذهبية أو طائفية أو مناطقية أو اقتصادية، أو غيرها كل ذلك يتجمع في وعاء الكراهية التي هي عدو التسامح.

سررت كثيرا وأنا أتابع أعمال المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية، والذي ينظمه مجلس حكماء المسلمين، برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وبابا الفاتيكان، وتشارك فيه نخبة من كبار القيادات والشخصيات الدينية والفكرية في العالم.

في هذا التجمع العظيم، والذي يقدم الصورة الحقيقية للتعايش الإنساني، وقّع البابا فرنسيس وشيخ الأزهر «إعلان أبوظبي»، المعنون «وثيقة الأخوة الإنسانية». إذ دعا رجلا الدين أتباع الدينين إلى «وقف استخدام الدين في التحريض على الكراهية والعنف والتطرف والتعصب الأعمى، والتوقف عن استخدام اسم الله في تبرير أعمال القتل والنفي والإرهاب والقمع».

هذا المؤتمر يجسد الحب بين الإسلام والمسيحية، وديننا الإسلامي يعلّمنا ذلك، إذ بشّر القرآن الكريم بمولد المسيح عليه السلام في الآية الكريمة «إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم، وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين»، كيف لا والمسيح عليه السلام هو الذي بشر بقدوم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: «ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد»، فهذا رسولنا الكريم يقول: «أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، ليس بيني وبينه نبي، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد». كيف لا نعبر عن فرحتنا بمولد المسيح وقرآننا الكريم يقول عنه: «وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا»؟.

إنني عندما أقرأ هذه المناسبة العالمية أتأملها كحركة متجددة، يتعانق عبرها الإسلام والمسيحية لتجسيد قصة التلاقي والتفاهم بين أتباع الرسالات السماوية. هذه المناسبة تجعلنا نستعيد سيرة المسيح عليه السلام، لنتعلم منه كيف نحصل على السلام العالمي، كما نعيشها مع رسولنا الكريم الذي جعل بوحي من الله تحية الإسلام «سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار»، أن نعيش السلام، أن نتحاور فيما اختلفنا فيه، أن نتفاهم فيما افترقنا حوله، أن يعيش الإنسان إنسانيته في إنسانية الآخر، ألا ننطلق في دعوات الطائفية المقيتة، ولكن ننطلق في دعوات المحبة التي تفتح قلب الإنسان على الإنسان.

وما زلت أتذكر ذلك الموقف الذي سجله إخواننا المسيحيون في غزة -قبل سنوات- عندما فتحت كنيسة القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس أبوابها للأهالي المسلمين، الذين نزحوا هربا من شدة القصف الإسرائيلي لإحياء ليالي القدر.

توقيت المؤتمر جاء في الوقت المناسب. فالعالم يسير في مأزق خطير، عنوانه حالة التمايز الحادة، والكراهيات المتبادلة.

لذا، كان من المهم البحث بعمق عن علة التسامح المفقود، وكيف بالإمكان إيجاده على أرض الواقع.