لا تفكر خارج الصندوق، لكن فكر كأنه ليس هناك صندوق «وكما يقال»، لكن من خارج الحدود يأتي الإبداع.

الأسبوع الماضي تم تعيين بعض سفراء خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في عدة دول، ومنهم الأستاذ الصديق تركي الدخيل كسفير في دولة الإمارات. دعونا نعترف بأننا سعدنا جدا بتعيين الإعلامي بهذا المنصب، ليس كصديق وزميل إعلامي، ولكن أبا عبدالله دبلوماسي بالفطرة، إنسان بشوش، مبتسم دائما، ولماح وذكي ويجيد التعامل مع الناس ومع الإعلام، وكما يقال إن الدبلوماسية ببساطة هي فن الاتصال والتعامل والصورة.

أعترف أنني عادة ما أكتب نقدا للسفارات والسفراء، ودائما أسعى لكي تكون سفاراتنا أفضل وأكثر كفاءة، تدافع عن مصالح المملكة والوطن بكل قوة وحيوية، وقد أثار مقالي قبل أسابيع «هل يفعلها العساف أم لا»، ردود فعل واسعة وتسبب في غضب البعض، وتلقينا أبشع الشتائم وأقذع الألفاظ، في انحدار لمستوى لا يليق ببشر. لا أريد الخوض في هذا، فالأهم حاليا هو التركيز على الخبر السار، إننا بدأنا نفكر خارج الصندوق، نستثمر مهارات من جميع المجالات، كي يبثوا الروح والحيوية في سفاراتنا، ونتخلص من قيود البيروقراطية، التي أثرت في مستوى بعض السفارات، والتي لم نر لها مجهودا يذكر، خصوصا في الأزمة الأخيرة والهجوم الشرس على المملكة. طالبت وأطالب بأن يقود سفاراتنا رجال من خارج الخارجية، خصوصا أن كثيرا من أفضل سفرائنا تاريخيا أتوا من خارج الخارجية، مثل طيبي الذكر السفراء، ناصر المنقور، ومحمد الشبيلي، والأمير الأسطورة بندر بن سلطان، وغازي القصيبي، وحتى معالي الأستاذ عادل الجبير، رغم أنه من الخارجية إلا أنه حالة خاصة لها ظروفها، لذلك أفضل كرأي شخصي -مع أنه ربما سيجذب لي كثيرا من الشتائم- أن يزيد عدد السفراء من خارج الخارجية، إلى أن تتم إعادة هيكلة الوزارة والمراكز والمعاهد التابعة لها. الوزارة تحتاج إلى سفراء من مجالات مختلفة يأتون بخبرات مختلفة وتجارب متنوعة، محملين بالطاقة والحيوية والأفكار الجديدة الخلاقة. لا شك أن الخلفية الدبلوماسية والسياسية مهمة جدا، وتزيد من مهارات الدبلوماسي، لكنها ليست كل شيء، وقد يستغرب البعض ذلك رغم أنني مختص في العلوم السياسية، لكن عطفا على المستوى الحالي لبعض سفاراتنا فإن أفضل الحلول الخلاقة من خارج منظومة الوزارة، وهذا لا يعني أن كل الدبلوماسيين من داخل الوزارة ليسوا جيدين، فهذا تعميم غير مقبول، أنا متأكد أن هناك كثيرا من المميزين، لكن لم نر أثرهم بالشكل المطلوب إلى أن يعطوا الفرصة.

يتحمل الأستاذ السفير تركي الدخيل مسؤولية خاصة، فهو سيكون مثالا لنجاح الإعلامي المحترف كسفير، وسيفتح الباب لكثير من الإعلاميين، لكي يكونوا سفراء للوطن ويخدموا وطنهم في المجال الدبلوماسي، وهناك كثير من المؤهلين لكي يلتحقوا بالركب بما أن أبا عبدالله فتح الباب، قد تواجه أبا عبدالله بعض الصعوبات والهجوم من البعض الذين لا يريدون لهذه التجربة أن تستمر، لكن أعرف أبا عبدالله ماهر جدا في تخطي الصعاب، وهو محبوب في البلدين الإمارات والمملكة، وهما بلدان في قلب واحد.

ولا داعي لذكر أن كل الدول العظمى في العالم تعين كثيرا من السفراء من خارج السلك الدبلوماسي، فنحن لم نأت بشيء خارج المألوف كما يدعي البعض في وسائل التواصل. كثير من المجالات وليس الدبلوماسية فقط أتى الناس الذين أبدعوا فيها من خارجها، نعوم تشامسكي عالم اللغة واللسانيات يعتبر واحدا من أعظم من أثروا في علم النفس، الرجل الذي غير علم الجراحة العامة وأدخل جراحة المناظير هو طبيب نساء كيرت سيم. ويوهان غوته من أعظم أدباء ألمانيا، والعالم أحب علم التشريح واكتشف عظمة الفك الوسطى في الجمجمة البشرية، حتى في المجال الدبلوماسي برنارد كوشنير من أفضل وزراء خارجية فرنسا كان طبيب باطنية، ورونالد ريغان من أعظم رؤساء أميركا كان ممثلا.

عندما أرى تواضع السفراء عندما يؤدون القسم في حضرة سيدي الملك سلمان، أفرح وكلنا متأكدون من توصية أبي فهد للسفراء للعناية بالمواطن ورعايته، وآمل أن يبقى التواضع سمة للسفير والدبلوماسي أينما ذهب، للأسف البعض عندما يجلس على كرسيه بالسفارة يصاب بحالة من الانتفاخ، وللأسف قد بلينا بأناس يعتقدون أن الدبلوماسية لم تخلق لغيرهم، وينسون أن هذا تكليف وليس تشريفا، وليسوا هم من يخدمون الوطن فقط، بل يخدمونه كما البقية من رجالات البلد، ويأخذون أجرهم لخدمته وليس تطوعا.

هذا لا يعني أننا لن ننقد الأستاذ السفير تركي الدخيل لو حصل قصور من سفارته، لكن على الأقل نحن متأكدون من معرفة وتجارب سابقة أنه يتلقى النقد بصدر رحب، وأنه متواضع رغم كل المناصب، وهذه من أهم أدوات النجاح، وهذا لا يقارن بالبعض الذي إذا ترقى لو مرتبة واحدة، صار ما يسلم، ويحس أنه فوق البقية، ولو انتقدنا عمله ابتدأ بتوزيع التهم والألفاظ.