لا يمكن لأحد إنكار أن إقامة جسور صلات بين شرق العالم وغربه أمر صعب جدا، وليس بهين أبدا، خاصة أن بعضا من بني جلدتنا وقومنا يظنون أنهم الوحيدون الذين يمثلون دين الإسلام، وغالبا نجدهم يضيفون إلى ظنهم هذا زعما آخر، وهو أنه ليس من حق غيرهم الدفاع، لا من قريب ولا من بعيد، عن الدين، مع أن الأرقام والإحصاءات تقول إن قرابة (50) مليون مسيحي يعيشون في وسط العالم العربي، وأن ما يزيد على (20) مليون مسلم يعيشون في مختلف دول أوروبا، والجميع هنا وهناك يتشاركون في بيئة واحدة، وفي أحوال كثيرة متشابهة ومتعارضة، كالإرهاب، والتطرف العنيف، والاقتصاد، والقيم، والثقافة، وغير ذلك من قواسم.

بطبيعة مثل هذه الأمور، وجدت وتوجد حالة واضحة من الارتباك الفكري بين غالب أو كل أهل الأديان والثقافات، وليس لأصحاب البصائر منهم أمام هذه المسألة إلا الحوار، والحوار فقط، أو الوقوع في براثن التصارع والتشرذم، والحوار الجيد لا يمكن أن يتحقق دون فهم صحيح للأديان والعقائد كلها، والتركيز على ما يجمع أهلها، والتجاوز كذلك عن نقاط الخلاف، وتبادل الأفكار بحرية وصراحة وصولا -عاجلا أو آجلا- إلى مسح ما رسخ في الأذهان من خلط وتشويه. وعلى كل المرجعيات الدينية، والمؤسسات الدولية والإقليمية كافة، وجميع العلماء والمفكرين من أهل الأديان والعقائد والثقافات المختلفة، التأكيد بالقول والعمل على وحدة الإنسانية، وعلى إرادتهم المشتركة للعمل مع بعضهم، من أجل توطيد عرى السلام والإخاء والمحبة بين بني البشر جميعا، وعليهم المضي قدما في عملية إعادة بناء جسور التعارف والاحترام والمحبة، وهذه أمور لا بد منها من أجل عبور الإنسانية إلى شاطئ السلام والاستقرار، ومن أجل فتح صفحة جديدة في العلاقات البينية، والتصدي للتطرف الفكري، ولنتائجه التدميرية السلبية التي عانى منها كل الناس، وعليهم كذلك إرساء قواعد متينة تكفل لهم كل هذه الآمال، تقوم على احترام التعدد والاختلاف، وتوطيد عرى الأخوة بين الناس، وبناء صرح الثقة المتبادلة بينهم، ومواجهة التحديات التي تعترض طريق وصول الإنسانية نحو السلام والازدهار والتقدم.

الأخوة الإنسانية لا تقتصر على مكان أو زمان أو عقيدة أو لون أو جنس أو جنسية، وعلينا جميعا أن نندمج بشكل إيجابي وسط مجتمعاتنا، وأن نفهم جيدا أن خالقنا -سبحانه وتعالى- يريدنا أن نعيش مع الآخرين، وأيضا من أجل الآخرين، ويريدنا أن نعيش جميعا في سلام، دون أن يتخلى صاحب دين عن دينه، أو عن ثقافته، أو عن معتقده، وعلينا أن نضع نصب أعيننا ضرورة نشر ثقافة جديدة، وهي (ثقافة الأخوة الإنسانية)، ونحاول قدر المستطاع أن ننشرها بين جيل الشباب، بكل الوسائل المتاحة، وأن نتذكر بأن أقصر مسافة للوصول لقلوب الناس، بيّنها لنا مولانا -سبحانه وتعالى- في قرآن يقرأ إلى يوم الدين: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.