هل تعرفون طبيعة ذلك الشخص الذي لا يفعل شيئًا، ولكنه يتوقّع أن يكون الجميع في خدمته وتحت إِمْرَتِه حين يشاء؟ هذا النوع الذي أتحدث عنه لا بد أنه مرّ علينا في دائرة حياتنا الأسرية أو الاجتماعية أو العملية، أيّ نوع؟ قد يتساءل بعضكم! الأمر بسيط، سأطرح عليكم بعض الصور، وعليكم أن تملؤوا بقية الملف، فالمشهد واسع يتحمّل أن نضيف إليه الكثير من المشاهد، وأترك الباقي لخبراتكم مع هذه النوعية من البشر!

 إنه ذلك الشخص الذي لا يمدّ يد المساعدة في ترتيب حتى طاولة القهوة بجانب مقعده أمام التلفاز، ناهيك عن ترتيب غرفة في المنزل، ثم يقيم الدنيا ولا يقعدها إذا دخل ووجد أن المنزل غير مرتب! إنه ذلك الشخص الذي لم يدخل يوما على أهله بحزمة بقدونس من السوق، لكنه يحرق البيت إذا تأخّر طعامه، وأُجبِر على الانتظار! إنه ذلك الشخص الذي لا يدخل المطبخ إلا كزائر الليل ليغزو الثلاجة، أو نهارا كي يتعارك مع أغطية الحلل فوق الغاز ليستكشف ما في داخلها، وفي طريقه يلتقط بعضها وبملعقة واحدة تاركا بصمته على كل نوع، ويكسر كل ما على المائدة إذا وجد بقعة ما على كأس الماء الذي أمامه! إنه صاحب اللسان السليط والساخر الذي لا يرحم أحدًا، صغيرا كان أو كبيرا، والذي لا يقبل أن يُوجّه إليه أي نقد أو اعتراض، إنّه من يسمح لنفسه بأن يُوبّخ ويُعنِّف أفرادا من أسرته، ولكنه يستشيط غضبا إذا تجرأ أحد، ونبهه إلى أخطائه، فهو مرفوع عنه القلم والمسطرة وكل أدوات الهندسة!

 العالم مليء بمثل هذه الشخصيات، بعضها بليد، متبلّد الحس، قليل الذكاء، وبعضها ببساطة جاهل! على كل حال نجد أنه من الصعب العيش معهم، بل تحتاج إلى صبر سيدنا أيوب ـ عليه السلام ـ كي تتحمل كل هذا التعدي والافتراء! ولكن يأتي وقت يطفح فيه الكيل، ويجب أن يُواجَه، لأن التغاضي يُلحِق أضرارًا في عصب الأسرة وشريانها! والسكوت هنا يعني المشاركة في الجريمة، وتصبح الضحية مسؤولة إلى حدّ ما عن المعاناة التي تعيشها، قد يكون المتعدي زوجًا أو زوجة أو ابنًا أو ابنة، لماذا ذكرت ذلك؟ لأنه حين نتحدث عن التنمر والتعدي في الأسرة غالبًا ما تتّجه أصابع الاتهام نحو الزوج، والواقع يشير إلى أنه في الأسر التي يوجد فيها التنمر، قد يكون هذا السلوك الأعوج خارجا من أي فرد فيها.

تلك الصورة كانت في المنزل، أمّا في العمل فهناك الشخصية التي تتغذّى على ضعف الآخرين وعلى مخاوفهم، وتجعلهم يقومون بأعمالها، وهي لا تبخل عليهم بالتوبيخ والنقد والتذكير بما يمكن أن تفعله معهم إذا هم فكروا مجرّد تفكير في ألّا ينصاعوا إليها! تستولي على مجهود الآخرين وتقدّمه للإدارة العليا على أنه لها، والويل كل الويل إذا تجرّأ الضعيف، وتكلّم! تستخدم لائحة الأنظمة والقوانين في مصلحتها، فتلويها يمنة ويسرة كيفما شاءت، وتطيح بمن يشكل عليها خطرا بشخطة قلم وبالنظام، تعرف من أين تؤكل الكتف، وتُبْتَلَع مع بقية الجسد!

 أمّا في المجتمع وفي المجتمعات الأسرية أو الرفقاء، فتجدها تستمتع بوضع الضحيّة في خانة اليَك! وهي خبيرة في الإحراج، تحرص دائما على معرفة الأخبار بكل دقة، ولا تضيّع أيًّا من التفاصيل التي تمرّ عليها دون أن تستخدمها كأدوات لتنمرها، وإذا غضبت أو اعترضت الضحية تتراجع، وتتصرف كأنها هي الضحية، وكل ما كانت تفعله هو سؤال للاطمئنان نابعٌ من دافع المحبة والصداقة والإنسانية! تتلذذ بمعرفتها أن الباقي يخاف لسانها السليط، ويخشى لدغتها، وتعرف أنها غير مرغوب فيها، ولكن تعرف أيضا أنهم لا يجرُؤون على تجاهلها، خوفا من أسلحتها، وغالبا ما يكون السلاح لسانها، الذي إن أطلقته دمرت مَن أمامها!

المتنمرون يغذّون النقص الذي يشعرون به من الضعفاء، ولذلك يُحجِمون عن الاقتراب من الأقوياء، لأنهم يعلمون جيدا كيف سيكون الرد، وبالتالي يخشونهم! المتنمرون تجد أن دواخلهم هشة، لأنهم ضعفاء لا يجرؤون على مواجهة حقيقتهم، وبدلا من ذلك يبثّون سمومهم في مَن يعرفون تماما أنه لن يرد، يدعمون ثقتهم، ويعززون هيمنتهم من خلال استغلال أولئك الذين يخافون من الوقوف ضدّهم ومواجهتهم!

كلّما طال تحمّل الضحية للتسلط زاد سوء الاستغلال! ولكن في اللحظة التي تقف فيها الضحية، وتدافع عن نفسها بكل ثقة وشجاعة يتراجع المتنمر، وينزوي كالجَرْو الخائف في وكره، لأنّ المتنمر في طبيعته جبان، ويحتاج إلى مساعدة لمواجهة جبنه! ومن خلال تحمّل الإساءة نحن نؤذي أنفسنا ونؤذيهم في الوقت نفسه، وعليه يجب أن نقف وندافع عن أنفسنا، وأن نضع حدًّا للإساءة، ونجبر هؤلاء المتنمرين على مواجهة حقيقتهم، وذلك ليس بالعمل السهل، لأنه يتطلب شجاعة كبيرة، قد لا يمتلكها الجميع، لكنها تستحق حقًّا كل جهد للحفاظ على كينونتنا، ولراحة الفرد النفسية؛ فما نواجهه اليوم من تحدّيات في حياتنا الأسرية والعملية بسبب الانفتاح على العالم، وتصدّر وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على اهتماماتنا وتركيزنا، لا يحتمل أن نتعامل مع متنمرين يحرموننا الشعور بالأمان والطمأنينة لكي نتمكن من تحقيق أهدافنا، سواء أكان ذلك في بناء أسرة سعيدة، أو بيئة عمل منتجة، أو مجتمع متعاون متعاطف.