تعدّ موافقة المقام السامي على تنفيذ توصيات البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، تتويجا رفيعا للجهود الكبيرة التي توليها القيادة نحو تمكين المواطن، وتحفيز الاستثمار في السوق الوطني، إذ يعدّ البرنامج إحدى مبادرات برنامج التحول الوطني 2020، وهو معني بتوحيد جهود 10 جهات حكومية، بهدف السيطرة على ظاهرة التستر التجاري ومكافحتها في مختلف القطاعات، وذلك بهدف خدمة توطين مجالات وفرص العمل، وتحفيز الاستثمار في سوق العمل السعودي للمواطنين، بحيث يعمل البرنامج على تهيئة المناخ الاستثماري المناسب والمشجع لممارسة الأعمال المختلفة التي يتطلبها سوق العمل وواقع التنمية المأمولة.

وقد تضمن البرنامج في مستهدفاته مراجعة كل الأنظمة والتشريعات ذات الصلة بسوق العمل، والتي خلالها يمكن ضبط الموارد البشرية العاملة، والأنظمة التي تحكم انسيابية العمل وتصحيح مساره الوطني، وتوجهه نحو تحقيق مستهدفاتنا الوطنية التي نسعى إلى بلورتها لواقع نشهده، ومنجزات ينعم بثمارها المواطنون.

وتفاعلا مع التطور الملاحظ في ممكنات السوق العالمي ومكوناته الاقتصادية، فإن البرنامج يهتم بتحفيز التجارة الإلكترونية، واستخدام التقنية المتقدمة، كحلول لكثير من تحدياتنا التنموية، كما يهدف إلى تنظيم التعاملات المالية للحد من خروج الأموال، وبما يسهم في تعزيز النمو في القطاع الخاص لمصلحة المواطن، سواء كان صاحب عمل أو موظفا، خلال توليد الوظائف للمواطنين.

ومن جهة أخرى، فإن البرنامج يستهدف رفع الوعي المجتمعي العام بسلبيات التستر، وتشديد الرقابة الرسمية، خلال توحيد الجهود بين القطاعات المختلفة، وتعاونها في القضاء على ظاهرة التستر التجاري، وبتلك المنظومة من الجهود والسياسات الجادة، يمكننا -بإذن الله- القضاء على ظاهرة التستر وسلبياتها، كما يمكننا تحقيق نقلة نوعية كبيرة في مستوى مردونا الوطني من مواردنا الاقتصادية والبشرية المختلفة، وذلك خلال رفع مستوى إسهام مواردنا في الإنتاج المحلي لموازنة الدولة، والدفع نحو تنويع الاستثمار والتجارة والتصنيع في مواردنا المتاحة، علاوة على إيجابياته الكبيرة في معالجة أحد أهم تحدياتنا الوطني، وهي البطالة، خلال إتاحة فرص العمل والتوظيف لأبنائنا وشبابنا في مختلف المجالات التي يحتكرها غير المواطن تحت مظلة التستر التجاري، والتي لا يستفيد منها المواطن الشريك في عملية التستر، سوى الفُتات من المردود المادي، مقارنة بحجم العائد المادي من تلك الأعمال في مختلف مجالاتها، سواء في تجارة التجزئة والجملة، أو المشاريع والورش وغيرها من الاستثمارات المختلفة.

مما يجدر التنويه إليه، أن انعكاسات التستر السلبية عميقة ومتشعبة، لأنها تلقي بظلالها على جميع مقدرات الوطن والمواطنين. فالتستر لا يعني فقط تسرب كمٍّ كبير من الأموال التي تم استثمارها داخل الوطن إلى خارجه، بعد الاستفادة من مختلف وسائل الدعم والمساندة الرسمية الوطنية، من القطاعات المختلفة ذات الصلة بالسوق والتجارة والصناعة والتمويل وغيرها، وإنما يعني كذلك حجب فرص عمل مهمة جدا عن المواطنين، وحرمانهم من الاستفادة من ريعها الذي يمكن أن يسهم في تحقيق تنمية ورفاه اجتماعي للمواطنين، وبما يدفع نحو مزيد من الانتعاش الاقتصادي الذي نرقبه، ويعمل على تحريك أموالنا داخل السوق الوطني بما يسهم في تنميته ورخائه، ليكون أكثر جاذبية ومنافسة للاستثمار الأجنبي.

ومما لا شك فيه، أن القضاء على التستر من شأنه أن يسهم فعليّا في تحقيق رؤيتنا الوطنية وتطلعاتنا الطموحة في تنويع قاعدتنا الاقتصادية، وتدريب مواردنا البشرية، ورفع نسبة مشاركة المواطن في التنمية.

ومما يجب التنويه إليه، أن التشارك بين عدد من القطاعات الوطنية الرسمية لتنفيذ برنامج مكافحة التستر التجاري، من شأنه أن يُعزز من عملية مكافحة الظاهرة، ويقوّي من وسائل وأدوات إحكام السيطرة عليها، خلال مختلف الأنظمة والتشريعات والوسائل المعنية بمراقبة ومتابعة واقع ومجريات الأمور والأعمال في سوق العمل الوطني، كما يمكنها ملاحظة حجم الأموال المتحصلة وحجم التسرب فيها في القطاعات المختلفة.

ومن جهة أخرى، فإنه خلال ذلك التشارك المؤسسي في مكافحة التستر، يمكن رصد حركة وواقع الاستثمار الإيجابي والسلبي للأعمال في سوق العمل، للتحفيز إليه والتوجيه نحوه، أو الحد منه، كما يمكن التخطيط لبرامج تدريبية تشاركية بين القطاعات المعنية بالاستثمار المستهدف، لاستقطاب الأيدي العاملة الوطنية لتدريبها وتأهيلها بأقل التكاليف، وبمستوى عالٍ من الجودة والكفاءة في الأداء، بما يكفل بناء اللبنات الأساسية من الموارد البشرية الوطنية لمختلف الحرف والمهن والوظائف.

ولعله من الأهمية بمكان، استدراك الشفافية والمصداقية في الأداء الشامل لتلك العملية التشاركية في التنفيذ، وأن يكون التنسيق في الجهود والسياسات قاعدة ينطلق منها البرنامج، وأن تكون الإجراءات الموضوعة للتنفيذ تخدم بعضها بعضا، ومتوائمة نحو تحقيق الهدف الأسمى لطموحاتنا الوطنية، وأن يتحمل القائمون على البرنامج أمانة المسؤولية الوطنية في التوجه نحو الإصلاح المستهدف، بأن يكون استشعار المسؤولية في العمل، والإخلاص والشفافية في الأداء والعطاء، شعارهم وديدنهم، لتكون النتائج بحجم التوقعات المستهدفة، وبما يليق بالآمال المعقودة والطموحات المنتظرة، في وطن يمثل المواطنون قاعدته التي يرتكز عليها، ومنبره الذي يرفع رايته فوقها بكل فخر وعزة واطمئنان.