تعرف البطالة بأنها ظاهرة اقتصادية بدأ ظهورها بشكل ملموس مع ازدهار الصناعة، وهذا تعريف المصطلح بشكل عام، أما تعريف البطالة في السعودية تحديداً فهي مشكلة اجتماعية متداخلة ومترابطة، لها تداعياتها التي ضاعفت من صعوبة علاجها، وزادت من تدهورها رغم محاولات السعي الحثيثة لحلها. وتجدر الإشارة إلى أن معدل البطالة في السعودية بناءً على إحصاءات هيئة الإحصاء بلغ 12.8%، وقد أكد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، في حديثه بجلسة مبادرة مستقبل الاستثمار، أن نسبة البطالة في السعودية ستنخفض بحلول العام 2030 إلى 7%. وأن مكاتب تحقيق الرؤية تعمل في كل الجهات الحكومية على هذا الهدف، وتبقى وزارة التعليم تغرد خارج السرب. خلال الشهر الماضي أظهرت نتائج نشرة سوق العمل للهيئة العامة للإحصاء، أن أعلى نسـبة للسعوديين الباحثين عن عمل كانت في الفئة العمرية 25-29 سـنة، وذلك بنسـبة بلغت 33.3%، وأوضحت النتائج أن أغلب السعوديين الباحثين عن عمل يحملون الشهادة الجامعية «بكالوريوس»، حيث بلغت نسبتهم 59.5% من إجمالي السعوديين الباحثين عن عمل. ومصطلح باحثين يعني أن هذا الطالب أو المتعلم لم يجد فرصته ولا زال يبحث عن عمل. السؤال بعد ذلك... لماذا يا وزارة التعليم هذه النسبة أو هذا الرقم 59.5%؟ ألم يكن هناك تنسيق بين وزارة التعليم وسوق العمل، بحيث تحقق الأولى حاجات الآخر، ومطالبه من مهارات متنوعة ومواهب متجددة وتخصصات شاغرة؟

لماذا إلى الآن لا زالت التخصصات النظرية مسيطرة على الموقف في أعداد المقبولين، بالرغم من الأعداد الهائلة من مخرجاتها في عداد الباحثين عن عمل؟ بالنظر إلى المهن التي حددها برنامج التنظيم الوطني للتدريب المشترك في 8 مارس 2016، سواءً المهن الرجالية أو النسائية، بعيدة كل البعد عن أنشطة تلك التخصصات النظرية وأهدافها وطرق تدريسها، ومع ذلك لا زالت وزارة التعليم تصر على رفع أعداد العاطلين من خلال تخريج عدد كبير من الشباب والشابات في تخصصات اكتفى منها سوق العمل. نبني مدنا اقتصادية وصناعية حتى نصبح بلدا صناعيا ويتنوع اقتصادنا؛ وفي المقابل 68% من طلبة الجامعات لدينا تخصصاتهم نظرية. نعم التوسع التقني يحتاج كوادر بشرية ومعامل وتدريب، ولكن إعداد العاطلين والعاطلات من التخصصات النظرية وحدها اليوم يتجاوز مئات الألوف، وهي كفيلة بسد حاجة هذه التخصصات للعقود الثلاثة القادمة. والأولى من ذلك زيادة مقاعد التخصصات المهنية والتقنية المطلوبة التي يحتاجها سوق العمل، وتقليص التخصصات النظرية من تاريخ وجغرافيا ولغة عربية ودراسات إسلامية وغيرها، ودمجها في تخصص واحد تحت مسمى «العلوم الإنسانية»، بالإضافة إلى تحديد مقاعد كلية العلوم، كما ينشئ مكتبا أو مركزا لكل جامعة سعودية تكون مسؤوليته التنسيق بين الجامعة التابع لها وسوق العمل، ويصدر تقاريره بشكل سنوي لطلاب تلك الجامعة والمستجدين فيها، تساعدهم على تحديد تخصصاتهم وفق رغباتهم وميولهم وما يحتاجه سوق العمل.

الفجوة التي بين تعليمنا الجامعي وسوق العمل هي من أهم وأبرز أسباب البطالة في مجتمعنا، ومن أجل علاجها علينا أولا ردم هذه الفجوة.