شهدت محافظة محايل عسير فعالية من أجمل فعاليات الوطن، سُميت بـ«صدر الكرامة»، قُرر لها أن تستمر 12 يوما، وتضمنت عدة مناشط، منها أنشطة لدعم السياحة الداخلية، وأنشطة ثقافية ورياضية متنوعة، إلا أن أبرزها كان تكريم أبناء الشهداء، فكانت بحق مثيرة في عنوانها الذي حملته «صدر الكرامة»، وعُدّت درسا من دروسنا في حب الوطن والقيادة، بما تضمنته من رسائل، كانت أولها موجهة لقائد الأمة والوطن سيدي الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -رعاه الله- «رسالة اطمئنان»، مفادها «اطمئنوا على الوطن، فعلى حدّه الجنوبي، رجال يحرسونه بعد حراسة الله ورعايته، يحرسونه بأعين يقظة وقلوب مؤمنة مطمئنة، عاهدوا الله ثم قادتهم، على أن يبقوا شوكة في حلوق أعداء الوطن، وقد حملوا أرواحهم على أكفهم، شعارهم إما النصر أو الشهادة، أما الوطن فقسما بالله لن تُدّنس أرضه، وستبقى طاهرة، ورايته مرفوعة، مهما كانت التضحيات أو الثمن، مستحضرين في ذاكرتهم، قول شاعرهم الأمير عبدالله الفيصل -رحمه الله- «أفديك يا وطني إذا عز الفداء... بأعز ما جادت به نعم الحياة

كل الوجود وما احتواه إلى الفنا... إلا هواك يظل مرفوعا لواه».

أما ثاني الرسائل، فكانت موجهة لجنودنا الأبطال في الحد الجنوبي الذين يضربون أروع الأمثلة في التضحية والبطولة والفداء، دفاعا عن دينهم ووطنهم وولاة أمرهم وشعبهم، إذْ اُستحضرت بطولاتهم، وشعروا وهم هناك في الجبهات، أن الوطن معهم يدعو لهم، ولم ولن ينساهم، كما لم ينس تكريم الشهداء من إخوانهم الذين قدّموا أرواحهم فداء للوطن، عندما تم تكريم أبنائهم وفاء وعرفانا للشهداء الذين كانوا عناوين الفداء والتضحية والبطولة في أرض المعركة، الذين وإن رحلوا أجسادا فهم مخلدون في ذاكرة الوطن.

وثالث الرسائل، موجهة إلى الأمير الشاب أمير عسير الأمير تركي بن طلال -وفقه الله- الذي منذ أن تسنّم مسؤولياته أميرا للمنطقة، وهو يعمل بجد واجتهاد للوطن والمواطن، مفادها «أهل المنطقة معك وبك سيحققون التنمية المنشودة والآمال العريضة، في أن تكون منطقتهم مزدهرة كباقي مدن المملكة، ولديهم عزم -بحول الله وقوته- لتحقيق رؤية الوطن 2030».

لقد كانت تلك الرسائل -حسب قراءتي للمشهد- العنوان الأبرز للفعالية التي أتت شكلا ومضمونا «عرسا وطنيا» زاد من روعته، حين تُوّج بالاستعراض الجوي لنسور الجو، حماة سماء الوطن، وبذلك «الأوبريت الإنشادي» الذي سكن وجدان الحاضرين ولامس مشاعرهم قبل مسامعهم، عندما تغنى أبناء محايل بأروع الكلمات، وأعذب الألحان الشعبية، وكأنهم لسان حال كل أبناء الوطن في كل مكان، وهم ينشدون على لسان شاعرهم المبدع مفرح صمان، وهو يقول:

قُلّه قسم بالله رب الجلالة... لا هان أخو نوره ولا موطنه هان

وتكفى متى ما قابلت سيف العدالة... ولي عهد المملكة طير حوران

سلم عليه وقلّه إنّا فداء له... بأرواحنا وأولادنا وين ما كان

وقلّه وطّنا ما يضم الحثالة... وقلّه وطنا غير عن كل الأوطان

هذا هو صوت المواطن المحب لوطنه، المخلص لقادته، ولسان حاله وما ينطق به قلبه في محايل عسير التي تحولت -خلال أيام الفعالية- إلى مهرجان حقيقي وهي تسامر الليل والقمر والحضور، وتعانق «البدر» بن عبدالمحسن شاعر الوطن الغالي، الذي تلألأ في سماء محايل عسير، وهو يتغزل فيها وبها كعروس حسناء ذات دلال، وحق له هذا، وهو يقول عنها:

«يا محايل عسير ويا سراة القصيد... فيك يزهى جديدي وأستعيد القديم».

محايل عسير التي قال عنها أميرها، الأمير تركي بن طلال، في وصف جميل ودقيق «محايل عسير قطعة من ذهب، لأن ثراها من ذهب». وأنا أزيد وأقول: «لأن معدن أهلها من ذهب».

نعم، محايل عسير، تلكم المحافظة الجميلة التي تبعد عن أبها شمالا 85 كلم، هي بحق صدر الكرامة التي كان لها وسام الشرف، وهي تعتلي سلم الشرف والتضحية، بتسجيلها العدد الأكبر من شهداء الوطن في حربه ضد ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، قدمتهم فداء للوطن وللذود عن حدوده ومواطنيه، فكان لها الصدر بين مدن الوطن الغالي، وهي تزف أعداد الشهداء إلى ملاقاة ربهم أحياء عند ربهم يُرزقون.

فأهل محايل من يعرفهم، يعرف أنهم رجال من رجال من رجال، من أعماق جذور هذا الوطن الذي عشقوه، وتوارثوا العهد أبا عن جد، في أن يكونوا رجاله في السرّاء وعند المحن، يوافونه على الوعد لا يختلفون، وأن يكونوا زوده وعتاده في كل وقت وحين.

ومن يعرف أبناء محايل عسير، يعرف أنهم مضرب الكرم والرجولة والفروسية والشهامة، فلا يستغرب حينما لا يكون همهم أو تفكيرهم كم من التضحيات قدّموا، لأن كل همهم أن تبقى هامة الوطن عالية، وقد عبّر بهذا الإنسان المحايلي، وهو يقول «يا به، دندن وغن، والله ما تسقط هذه الراية، وباقي فينا واحد حي».

ولله در ذلك التهامي الأديب عمر حمد، الذي جسّد شعار التضحية عند المحايليين أجمع، في أصدق صور محبة الوطن، إذا ما أتى على أحدهم خبر استشهاد ابنه في أرض المعركة، فيأتي رده على التعزية، كهدير الرعد القاصف، وكأنه صوت الوطن المنبعث من أعماق أرضه، فيقول في إيمان واطمئنان لولاة أمره: «خذوا أخوه مكانه، وإن بغيتم أزود فأبشروا بنا كلنا». منتهى التضحية والشجاعة والحب للوطن. فالله الله، كم لهذه العبارة من معان سامية جميلة صادقة، تفوح منها رائحة الوطن بسهوله وجباله ورجاله، عبارة يحق لنا أن نكتبها بمداد من ذهب على صدر الوطن، ليقرأها كل أبنائه في شرقه وغربه وشماله وجنوبه ووسطه.

وقبل الوداع، دعونا نردد أهزوجة الختام كما تغنى بها أهل محايل وهم ينشدون «فتغني يا محايل يا جبين العز يا صدر الكرامة».

حفظ الله بلادي السعودية، وولاة أمري، وشعبنا الطيب من كل شر، ونصر جنودنا الأبطال على عدوهم.