لا ينكر أحد ما تقدمه حكومتنا الرشيدة من دعم سخيّ وميزانيات ضخمة، في سبيل تقديم أفضل رعاية صحية للمواطن وأفراد أسرته.

فالحكومة لم تبخل -إطلاقا- في تقديم مختلف أشكال الدعم اللوجستي والمادي، حتى يحصل المواطن على الرعاية الصحية المجانية التي لا ترهق ميزانيته، ولا تضطره إلى دفع الأموال الضخمة للحصول على رعاية صحية في المستشفيات الخاصة، بدلا من تلك الرعاية التي تقدمها المستشفيات الحكومية.

فهل المستشفيات الحكومية -الآن- استطاعت العمل بفعالية أفضل، وقدمت إنتاجية أكبر توازي هذه الميزانيات المقدمة لها؟، وهل استطاعت -مع مرور الزمن- تحسين خدماتها الصحية؟، وهل المواطنون راضون تمام الرضا عن هذه الخدمات؟

يعلم الجميع أن كثيرا من المواطنين، خصوصا موظفي القطاعات الحكومية الذين لا يحصلون على تأمين طبي يقدم لهم رعاية صحية أفضل، أسوة بنظرائهم في القطاع الخاص، فضّلوا دفع المال من جيوبهم، حتى مع تبعاته السلبية عليهم وعلى نمط حياتهم، هربا من المستشفيات الحكومية التي ما زالت تعاني مشكلات إدارية كبيرة، وقلّة تنظيم رهيب، أجبرت المواطنين على اللجوء إلى المستشفيات الخاصة، سواء في المشكلات الصحية الصغيرة أو الكبيرة.

إحدى تلك المشكلات التي يعانيها كل من يفكر في العلاج في المستشفيات العامة، مشكلة المواعيد المتباعدة التي تصل مدتها سنة كاملة، وقد تطول وتصل إلى سنتين.

وعندما يعطي موظف المستشفى موعدا لمريض يصل إلى سنة كاملة، ومع تنقله بين الأقسام الطبية ليعرف مشكلته الصحية، فإنه قد يصل إلى سنتين، نكون أمام مشكلة إدارية لا يجب السكوت عنها.

فلا يوجد مبرر -مهما كان- لإعطاء مواطن موعد لزيارة الطبيب الاستشاري يستغرق سنة كاملة، وقد قابلتُ موظفا حكوميّا أعطاه الطبيب موعدا بعد سنتين لإجراء عملية استئصال اللوزتين لطفلته الصغيرة، مما اضطر هذا الموظف إلى أن يلجأ للمستشفيات الخاصة، ويقترض مبلغ العملية، ويريح رأسه من الانتظار غير المبرر، الذي يعكس وجود أزمة إدارية في غالب المستشفيات الحكومية.

ما عذر إدارة المستشفى؟ وما عذر الطبيب الاستشاري السعودي الذي يعدّ هو السبب الرئيس لأزمة المواعيد في المستشفيات الحكومية؟

فالطبيب الاستشاري السعودي هو الذي يصمم جدول المواعيد التي لا تقل عن 8 أشهر، كحد أدنى، ولا أدري كيف تعطى صلاحية توزيع المواعيد للطبيب الاستشاري؟، وما دور إدارة المستشفى أمام هذا الخطأ الإداري؟

فالطبيب يوزع جدول مواعيده في المستشفى الحكومي كيف يشاء، بحيث لا تتعارض مع مواعيد عيادته الخاصة، أو لا تتعارض مع مواعيد مرضاه في المستشفى الخاص، فغالب الاستشاريين السعوديين يعملون في الليل والنهار في عيادات خاصة، وهذا التضارب بين عملهم المتداخل بين الحكومي والخاص هو أحد الأسباب الرئيسية لأزمة المواعيد الطويلة المدى في المستشفى الحكومي.

غالب الاستشاريين السعوديين لا يعملون بشكل يومي في المستشفى الحكومي، ولا نبالغ لو قلنا إنهم لا يعملون بشكل شبه يومي، وإنتاجيتهم في المستشفى الخاص أفضل من إنتاجيتهم في المستشفى الحكومي، ومعاملتهم المرضى في المستشفى الحكومي تختلف عن معاملتهم في المستشفى الخاص.

وأمام هذا التضارب الواضح، فإن الضحية هم المواطنون الذين لا يحملون تأمينا طبيا، فهم حائرون بين مطرقة الخدمات السيئة والمواعيد الطويلة في المستشفيات الحكومية، وبين سندان المبالغ الباهظة في المستشفيات الخاصة، والتي لا يستطيعون تأمين تكاليفها في بعض الحالات الصحية.

أعتقد أنه حان وقت نزع صلاحية توزيع المواعيد من الطبيب الاستشاري، فهذه الصلاحية الممنوحة للطبيب، نتجت عنها أزمة مواعيد لا يمكن تبريرها.

وأمام هذه الأزمة اضطر كثير من المرضى إلى مطاردة الطبيب الاستشاري بين العيادات الخاصة والمستشفيات، وتكبّدوا في سبيلها مبالغ ضخمة اضطرتهم إلى الاقتراض في سبيل الحصول على مواعيد أقصر، وخدمات أفضل.