عندما تُستهدف بلادنا السعودية الطاهرة، التي مشى على أرضها رسول الله، صلى الله وعليه وسلم، وفيها ولد وتوفي، عليه الصلاة والسلام، ومنها انتشر الإسلام، عندما تُستهدَف بالوشايات الكاذبة، والخصومات الفاجرة، والاستعداءات الظالمة، من شذاذ الآفاق، سواء كان ذلك الاستهداف بسبب عقدي، كون حكامها ينصرون الإسلام الذي جاء به محمد، صلى الله عليه وسلم، وينفون عن الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، أو بسبب حسد لمن آتاهم الله من فضله، ممن اختصهم الله بأن جعلهم خدام بيته العتيق، ومسجد رسوله الكريم، ومشاعر الحج المعظمة، أو بسبب عقدة النقص وغَيْرَة القزم من العملاق، أو غير ذلك من الأسباب، فإن أنجع علاج لذلك الاستهداف والمكر والكيد هو الاستمرار على تقوى الله، والصبر، برهان ذلك قوله تعالى: (وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط)، وكلمة (شيئاً) في الآية الكريمة: نكرة في سياق النفي فتفيد العموم، فلا يضر أهل الإيمان كيد الأعداء، أي شيء مهما قل أو كثر، فمن كان الله معه فإن الله ناصره، فلله جنود السموات والأرض، يعز بها من يشاء، كما قال تعالى: (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)، وقال تعالى (وما يعلم جنود ربك إلا هو)، ولو اجتمعت الأمة كلها أن تضر فردا فإنهم لا يستطيعون، إلا إذا كتب الله ذلك عليه كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْك )، ونحن نعلم من كتاب الله أن الله يهلك الباغي ولو كان ذا قوة وأتباع، وينصر المؤمن المظلوم وإن كان مستضعفا، ففرعون الذي يرى نفسه القوة العظمى، وكان يقول (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَ?ذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُون)، بل كان يقول للناس: (أنا ربكم الأعلى)، هذا الطاغية الكافر احتقر موسى -عليه السلام- ومن معه من أهل الإيمان، واعتبرهم شرذمة قليلين، فقال: (إِنَّ هَ?ؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ* وإنهم لنا لغائظون)، فسار موسى بقومه لينجو من ذلك الظالم، ولكن فرعون تبعهم بجنوده، فقدَّر الله أن يكون البحر أمام موسى وقومه، وفرعون خلفهم، عند ذلك قال أصحاب موسى لموسى إنا لمدركون، هنا قال موسى -عليه السلام- بكل ثقة وطمأنينة وإيمان (كلا)، أي لسنا مُدْرَكَين، بل سيهدين الله لطريق أنجو فيه من فرعون وقومه، مع أنه لا يدري تلك اللحظة، ماذا يفعل، لكنه يستحضر أن من كان الله معه فلن يضيعه أبدا، وسيهديه سواء السبيل، في تلك اللحظة أوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر، كما يدل عليه قوله تعالى: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى? مُوسَى? أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْر) ففعل فانفلق البحر، وكان طريقا يبسا، فدخل من خلاله موسى -عليه السلام- وقومه، فلما تكامل موسى وأتباعه خارجين منه، تبعهم فرعون وقومه، فلما تكامل فرعون وجنوده داخلين فيه، أطبق عليهم البحر، فغرقوا جميعا، قال تعالى (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى? إِنَّا لَمُدْرَكُون* قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ* فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ* وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِين* وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ* ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِين* إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِين)، فانظر عظيم قدرة الله كيف أخرج هذا الذي يزعم أنه القوة التي لا تُغْلَب أخرجه من رفاهيته وأُبهته والنعم التي يتقلب فيها، فأغرقه، وأورثها قوما آخرين، كما قال تعالى عنهم: (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ* وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ* كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِين)، هذه سنة الله، من نصر الله، وتوكل عليه، فإن الله ناصره، وكافيه، كما قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)، وقال (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) أي: كافيه، ومن آمن بالله هدى قلبه لكل خير، ولم تزده الحوادث والعواصف إلا ثباتا وثقة بالله، كما قال تعالى (ومن يؤمن بالله يهد قلبه)، وقال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل* فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم)،

وإذا انضاف إلى الإيمان بالله، وصدق التوكل عليه، ونصرة شريعته، أخذ الأسباب المادية للقوة، والحذر من الكسل والتواكل والخلاف الذي يُذهب الريح، ويُسبب الفشل، ويُسلط الأعداء، كان ذلك هو ما توجبه الشريعة كما قال تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم)، وقال تعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم)، والمسلمون إذا تهاونوا بدينهم، واعتمدوا على قوتهم المادية، فإنهم مهزومون، لأن غيرهم أشد منهم قوة، وفي الحديث (من تعلق شيئًا، وُكِلَ إليه)، فكل من تعلق بغير الله فهو خاسر، وقديما قال أهل القوة والجبروت: (من أشد منا قوة)، فقال الله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّة).

والتعلق بالله والتوكل عليه والإيمان به لا يعني كما سبق ترك الأسباب المادية، ولهذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يمنع المخذِّل والمرجف من مرافقة الجيش، والمُخذِّل: هو الذي يزهد الناس في النفير مع إمام المسلمين، والمُرجف: هو الذي يُهوّل قدرات العدو، ويَفُتُّ في عضد المسلمين، وأنهم هالكون، وليس لهم طاقة بعدوهم.

وإذا كانت المملكة العربية السعودية كما هو الواقع هي بيضة الإسلام، ومأرز الإيمان، فالواجب على كل مواطن، مهما كانت رؤاهم، أن يكونوا يدا واحدة مع بلادنا السعودية، كل حسب قدرته، بالدفاع عنها، ولو بشطر كلمة، وليحذر من المحايدة، فضلا عن الإرجاف والتخذيل، فضلا عن الاصطفاف مع الأعداء ومنظماتهم وإعلامهم المعادي، فاستهداف الوطن استهداف لكل فرد فيه، مما يجعل العاقل يتناسى كل شيء، ويكون مع دينه ووطنه وولاة أمره.