سنعبر إلى الشرق والغرب، ونمد لكل أمم الأرض جسور التواصل، فنحن أمة منفتحة على جميع العالمين، ولكل أمة قدرها ومكانتها، حسب موقعها وأثرها وامتدادها في دائرة الحضارة الإنسانية، واستيعابها زمنها ومعطيات وقتها الذي تعيشه. سنتأثر حتما ونؤثر في كل حضارات العالم، ونبني أُطرنا المعرفية بالشراكة والتفاعل، فلا يمكن للمعرفة أن تنفصل معطياتها من مكان لآخر، ولا يعتقد أحد أن الخصوصية -التي يراها البعض- في أمة الإسلام تعني التقوقع والانغلاق، ومن المفيد جدا ما نشهده من حراك على كل الأصعدة في تعاون متعدد الأوجه مع شعوب الأرض، بكل أجناسها وثقافاتها، ووصولنا إلى عمق الثقة والعلاقة والشراكة وتبادل المنافع، والتواصل السياسي والثقافي، وتوظيف قدراتنا الاقتصادية وثرواتنا الغنية بشكل مناسب، يتلاءم مع مصالحنا، ويعزز وجودنا بثقلنا الحقيقي، وينمي أثرنا الفاعل في اقتصادات الدول الصديقة ذات الشراكة، مع تنوع الوجهات واختلاف المنافع، في وقت لم تعد بعض القوى العالمية تتعامل بلياقة سياسية مع دول الشرق الأوسط، أو تقدر الوزن المؤثر للمملكة العربية السعودية في صناعة السلام والاستقرار الدوليين، وتتجاهل دورها البارز في إيقاف حركات الإرهاب والتطرف، وموجات العداء الطائفية التي فرّختها بعض القوى الإقليمية والدولية، إذ تفاعلت معها -بكل أسف- بعض دول المنطقة دون اعتبار لمحيطها وعمقها وإستراتيجية الجوار والوجود.

ونقرأ ملامح هذا الانفتاح المتنوع في الخطاب السياسي الحكيم الذي تزامن مع الهامش الواسع للحراك الإقليمي والدولي، فنحن لا نستدرّ عطف أحد أو نعتمد على حماية دولة، مهما كانت قوتها ومكانتها، ولسنا دولة مصدرة للنفط فحسب، وإنما دول صانعة للاستثمار والنماء، مستمدين قوتنا وتأثيرنا من رسالتنا السماوية وعمقنا التاريخي وموقعنا الإستراتيجي.

إن تعزيز وجودنا العالمي، وامتداد أثرنا على كل الأصعدة، يتطلب إيمانا عميقا بقدرتنا العظيمة النابعة من ثقتنا في أنفسنا ومؤهلاتنا، وأعظمها قوة التلاحم بين القيادة والشعب، وترسيخ تلك الثقة في توجهاتنا نحو العمل، وتحقيق تلك التطلعات التي حملتها القيادة السياسية من وإلى كل الأمم والشعوب، تلك الثقة الراسخة التي تجنبنا -بإذن الله- كل المخاطر والمحن التي عصفت بغيرنا حينما فقدت، ودمرت عوامل العيش، فضلا عن التعايش، وهبّت تسحق في طريقها كل جميل، وتطيح بآمال الأمة في مجهول سحيق الغور لا يُعلم إلى الآن مداه. لذلك، فقد أدركت دولتنا السعودية -منذ تأسيسها- أن الحكمة في القيادة تصنع الفرق وتخلق المخرج من الأزمات، فأرست قواعد الحكم على مبدأ التعاون وتعزيز التلاحم، وتقوية أواصر التعاضد منذ عهد الملك المؤسس -طيب الله ثراه- الذي رسمها في مقولته العظيمة «إن على الشعب واجبات وعلى ولاة الأمر واجبات، أما واجبات الشعب فهي الاستقامة ومراعاة ما يرضي الله ويصلح حالهم، والتآلف والتآزر مع حكومتهم للعمل فيما فيه رقي بلادهم وأمتهم. إن خدمة الشعب واجبة علينا، لهذا فنحن نخدمه بعيوننا وقلوبنا، ونرى أن من لا يخدم شعبه ويخلص له فهو ناقص».

وقد أثبتت الأيام رسوخ هذه المبادئ، وشهدت المراحل الماضية من تاريخ أمتنا الحديث أن قيادة وشعب المملكة كلُّ لا يتجزأ، تقوى فيه جسور الثقة بين الحاكم والمحكوم، وتترسخ محبة القائد وولاء المواطن، وقد أثبتت تلك العلاقة أنها وطيدة العرى، ثابتة لا تزعزعها العواصف التي يستغلها المرجفون، ويتصدّفها الحاقدون، فكانت مسيرة سعودية يتعاضد فيها القول والعمل، كما قال جلالة المؤسس رحمه الله: «أنا لست من رجال القول الذين يرمون اللفظ بغير حساب، أنا رجل عمل، إذا قلت فعلت، وعيب علي في ديني وفي شرفي أن أقول قولا لا أتبعه بالعمل، وهذا شيء ما اعتدت عليه، ولا أحب أن أتعوده أبدا».

ولأننا نستفيد من الدروس، فنحن ندرك بعمق أهمية التلاحم الوطني وصدق الولاء والانتماء، وأنها سبيل النجاح في منعطفات الحياة المليئة بالفواجع، المثقلة بالويلات، المفعمة بالفرقة والنكال، وأساس النجاة من المكائد التي تتربص بنا على أعتاب كل حدث، وتحاول اختطافنا لأي موقف، فكل ذي نعمة محسود.

ولا يألو قادة هذه البلاد جهدا في تعزيز النماء والبناء، وتوسيع دائرة التواصل وتطوير قنواته، إكبارا وتقديرا لعظمة المواطن السعودي، ووعيه وقدرته على التفاعل المنظم مع مجريات الأحداث، بمثالية وإدراك عميق وفكر رشيد، مما جعله قوة ترتكز عليها القرارات السياسية والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، لا تهزها عواصف التشكيك، ولا تتغلغل فيها غوائل الحاقدين.

فكان السعوديون خلف قيادتهم يرسون كأوتاد طويق، ويشمخون بفخر ليكونوا بحق شعبا عظيما في صف قيادته، وسيكونون ذلك الشعب الجبار العظيم الذي يعنيه سمو ولي العهد -حفظه الله- مدركين أن قيادتنا تلعب بكفاءة دورها المحوري والحيوي على مستوى العالم، بفهم سياسي عظيم العمق حكيم المحتوى.

وسنظل -بإذن الله- ننعم بالخير والنماء والعطاء، نسهم وندفع بكل قوانا نحو التلاقي مع الإنسانية مع مشتركاتها العامة، علما وعملا، ونحتفظ بما منحنا الله من هدى ونور وسماحة وفاعلية، لنحقق أهدافنا، ونلبي تطلعات قائدنا خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- حينما قال: «إننا على ثقة في قدرات المواطن السعودي، ونعقد عليه -بعد الله- آمالا كبيرة في بناء وطنه، والشعور بالمسؤولية تجاهه. إن كل مواطن في بلادنا، وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي، هو محل اهتمامي ورعايتي، ونتطلع إلى إسهام الجميع في خدمة الوطن».