في البداية يجب التأكيد على أن الاستقلالية التامة غير موجودة، خاصة بالنسبة للمؤمن الذي يعرف مدى اعتماده واتكاله على رب العالمين، سبحانه! فالله هو مصدر كل شيء، أما البشر فحياتهم اليومية تعتمد على الكثير ممّن حولهم، وقد يكونون أيضا في أقاصي الأرض، وهذا العالم لا يمكن أن يُبنى بالذكور فقط، أو بالإناث فقط. لقد خلق الله الذكر والأنثى من أجل التوازن، إنها حالة صحية من التبعية تُميَّز بالحاجة والاشتياق والعطاء المتبادل؛ بمعنى أشمل، إن كل نوع بحاجة إلى الآخر لكي يستطيع أن يكمل دوره الذي وجد من أجله على هذه الأرض، ومن دون الآخر لن يكون لديه من ينمو معه، ويحافظ عليه، ويناضل من أجله، فالإنسان لم يوجد لكي يكون وحيدا، ولا يحتَمل أن يكون وحيدا.

إن كل نوع يشعر باحتياجات الآخر، ويعطيه من خلال هذا الاختلاف الذي خلق عليه، فإن كنا جميعا نوعا واحدا فسوف نفكر في الآخر حسب ما لدينا من احتياجات، والعطاء في روحه وجود اختلاف بين المانح والمتلقي؛ وحين يكون العطاء بين نوع واحد، يُفسِّر الفرد الأمر كالتالي: «إن ما أشعر به وأحتاجه هو ما يحتاجه»! وهكذا يصبح العطاء محدودا؛ لأن التفكير نبع من احتياجات المانح وليس المتلقي! وللتذكير أتحدث هنا عن النوع بالنسبة للجنس البشري، وليس عن حالات خاصة واختلافات فردية تظهر بسبب الظروف أو الثقافة الغالبة أو خلل جيني، وبالتأكيد ليس حديثي هنا عن العلاقات بين أفراد المجتمع في إطار عمل أو صداقة، لأنه سوف يخرج من يقول: ولكن هناك نُسّاك ورهبان، وآخر يضيف: أعرف رجلا عاش وحيدا، وكان سعيدا، وأخرى تدخل على الخط قائلة: نعم هناك نساء لم يتزوجن، وعشن سعيدات، لهذا أجد أنني مجبرة على تكرار أن الفكرة التي أتحدث عنها عامة، وليست خاصة، لماذا التكرار؟ من تجارب سابقة أجد أن هناك من يركّز على المعنى الخاص، ويترك المعنى العام من المقالة، ثم يبني عليه حكمه ويعلّق!

 نعرف أن الذكر إنسان والأنثى إنسانة، ولكن كل نوع يختلف عن الآخر، وبما أننا في الأساس خلقنا من نفس واحدة، إذًا فالأصل كان الاكتمال والشراكة، وليس المواجهة أو التعدي أو التفاخر والتباهي! لقد خلقنا بهذا الاختلاف لكي نتعلم أن نقدّر ونحب ونعطي ونهتم بمن هم يختلفون عنا، فكل نوع بحاجة إلى هذا الاختلاف في الآخر، لكي يعرف نقاط قوته، ويعمل من خلالها على بناء العلاقة بما يثريها وينمّيها، أما أن نجبر أحد النوعين أن يعمل عكس طبيعته، أو نحاسبه على ذلك، فهذا يعتبر ظلما وتعديا، وبالتالي لن يتمكن من تقديم أي مساعدة أو عطاء! بمعنى أنه لا يمكن أن نطلب من الأنثى أن تفكر كالذكر، ثم تبحث عن كيفية مساعدته، لأنه من الطبيعي أن تفكر كالأنثى، ومن هذا المنطلق تبحث عن احتياجاته لتسهم وتعطي، والرجل أيضا لا يمكن أن نطالبه بأن يفكر كالأنثى، ولكن من الطبيعي أن يفكر كذكر في احتياجات الأنثى، ويبحث عما بداخله من عطاء ليتمّ الاكتمال.

 وبالنظر إلى طبيعة الأنثى فهي إنسان داخلي عاطفي، لديها القدرة على الولوج وفهم الأمور من الداخل، بينما الذكر ظاهري بطبيعته، يفضل أن يفهم من خلال الأرقام والحقائق، والأنثى كائن يثمّن العلاقات الثنائية، بينما الذكر يثمّن العلاقات الخارجية كالفريق والمجاميع. وهل هذا يعني أن نوعا أفضل من نوع؟ كلا، ما يعنيه أن نوعا يُكمل نوعا، ونخسر حقا كمجتمعات حين نعتمد في قراراتنا على نتاج أو جهد أو حكم نوع واحد! فلا يمكن أن تكتمل الرؤية من خلال النظر إلى الأمور بعين واحدة.

 إن النوع خاصية مميزة وأساسية في شخصية الفرد، فالذكر أي: الزوج، أو الأب، أو الأخ، أو الابن، أو المعلم، أو الطبيب، أو المهندس، أو العامل، أو المهني، أو السياسي، هو ذكر أولا، وكذلك الأنثى أي: الزوجة، أو الأم، أو الأخت، أو الابنة، أو المعلمة، أو الطبيبة، أو المهندسة، أو العاملة، أو المهنية، أو السياسية، هي أنثى أولا، كل منهما يحاول أن يقوم بتحقيق إمكاناته الفريدة من خلال دور انتقاه وفضّله، ولكن اختلاف الطبيعية البشرية يمكّننا من التعاون والبناء، فالاختلاف هنا ليس من قَبيل انتِفاء المساواة، بل هو ميّزة وجدت من أجل التكامل، حين تُقدم الأنثى على عمل ما، وتجد في ذاتها القدرات والإمكانات التي تؤهلها للقيام بذلك، يجب ألا تشعر بأنها يجب أن تعتذر لأنها أنثى، وكذلك الأمر بالنسبة للذكر يجب ألا يشعر بالتهديد بالنسبة إلى مستقبله لأن الأفضلية للمرأة.

وعليه في مجال العمل فإنه من الظلم أن ننصّب رجلا على المرأة لمجرد أنه رجل، وهي تمتلك مقومات وقدرات تفوق ما لديه بمراحل! ومن الظلم أيضًا أن ننصّب امرأة على رجل لمجرد أننا نريد تمكين المرأة، أو أن نرفع من نسبة القيادة الأنثوية، وهناك رجل يفوقها في القدرات، ويستحق هذا المركز! فالأمر متعلق بالأجدر من الجنسين، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ولنضع مائة خط أحمر تحت عبارة «المكان المناسب»، ومن الظلم أيضا أن ندعي أن المرأة مسترجلة لأنها تقف وتواجه للدفاع عن حقوقها المشروعة - وليست التي تسير خلف أجندات داخلية كانت أو خارجية - وأيضا أن نصف الرجل بالضعيف لأنه يقف إلى جانبها، أو يأخذ برأيها ومشورتها! فلا تسجن المرأة لقرون في قوقعة، ويحرّم عليها كل شيء، فلا تجد المنفذ إلّا في التفاهات، ثم تستدير وتقول «حكي أو شغل نسوان»! وكذلك لا يسجن الرجل في صورة الشدة والحزم وعدم الابتسام أو حتى ذَرْف دمعة، ثم تستدير وتقول «رجال مستبدّون»! المرأة قوية بأنوثتها، والذكر كذلك قوي برجولته، فالرجال والنساء مختلفون، ولكنهم متساوون، كَوْنَهم يشكلون كفتي الميزان في الحياة.