الإرهاب وغسل الأموال وجهان لعملة واحدة، ولا يخفى على منصف ما تضطلع به المملكة العربية السعودية من دور محوري بارز في محاربة الإرهاب، ومكافحة التطرف بكل أشكاله وصوره وتنظيماته، وقمع مصادر تمويله، وتجفيف منابعه، ليس لأنها أحد أهدافها فحسب، بل لاستشعارها دورها الإنساني ورسالتها الحضارية بثقلها الإسلامي والدولي، وتجربتها الرائدة في مواجهة هذا المتوحش ضد البشرية، المتمرد على قيم الأديان ورسالاتها الخالدة. وقد أنجزت المملكة معركتها ضدّه بشرف، رغم ما يحيط بها من موجات التطرف، وحواضن الإرهاب المتفرغة لزراعة بؤره العفنة في خاصرة المنطقة، لتحقيق بعض أطماعها التوسعية الطائفية.

وليس من جديد القول: إن كل دول العالم لا غنى لها عن المملكة العربية السعودية في محاربة هذه الآفة، بحكم تجاربها، وخبرة أجهزتها الأمنية، وقد سعت بكل حرص إلى تجنيب العالم ويلات الإرهاب وعواقبه الوخيمة، منذ وقت مبكر، ونادت بصوت مرتفع النبرة ضد هذه التنظيمات الوحشية، في ذلك الخطاب المباشر للملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- أمام سفراء بعض الدول الصديقة بقوله: «أحمّلكم هذه الرسالة لنقلها إلى زعمائكم لمحاربة هذا الشرّير بالقوة وبالعقل وبالسرعة»، محذرا تلك الدول من مغبة التباطؤ في أخذ التدابير اللازمة لمنع الخطر الداهم الذي يوشك أن يضرب دول أوروبا وأميركا في غضون أشهر -يوم ذاك- مما استدعى نهوض المجتمع الدولي لحماية مقدراته ومكتسباته، ورفع مستوى الجاهزية واليقظة.

فقد أعلن متحدث البنتاجون «أدميرال جون» خيبة الأمل الناجمة عن تقاعس الإدارة الأميركية عن مواجهة تنظيم داعش الإرهابي بقوله: «لا تمتلك وزارة الدفاع الأميركية أي خطط كبيرة وكاملة لمواجهة تنظيم داعش حتى اللحظة». بينما أشارت الصحف الأميركية إلى نداءات العاهل السعودي. ففي «واشنطن تايمز» أشارت الصحيفة بقولها: «الملك عبدالله يحذر أميركا من قرب عمليات إرهابية مخططة». بالتزامن مع ذلك رفعت بريطانيا درجة الخطر لديها إلى المستوى الثاني، وهو مستوى حدوث عمل إرهابي وشيك، ولم يقف دور المملكة عند هذا الحد، فقد أعلن -رحمه الله- عن دعم سخيّ لإقامة مركز دولي لمكافحة الإرهاب بمبلغ «100مليون دولار».

وتستمر الجهود البارزة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في شتى المجالات، بدءا بالمشاركة في التحالف الدولي ضد «داعش»، وإنشاء التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، وإقامة المركز الدولي لمكافحة التطرف «اعتدال»، بمشاركة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ومجموعة من الزعامات الدولية.

وأعلن -حفظه الله- في القمة العربية الأوروبية الأخيرة، أن المملكة عانت شأنها شأن كثير من الدول الأخرى من الإرهاب، وقادت كثيرا من الجهود الدولية الرائدة لمحاربته على كل الأصعدة، بما في ذلك تجفيف منابعه الفكرية والتمويلية، مؤكدا أهمية مواصلة العمل المشترك في محاربة الإرهاب وغسل الأموال، بلا هوادة ولا تساهل.

فيما صنفت المملكة بعض المنظمات والأفراد ضمن القوائم الإرهابية المحظورة، وجمّدت حسابات وأصولا مالية مشبوهة.

أما على الصعيد المالي -خصوصا- فقد سعت الدولة، منذ وقت مبكر، إلى فرض الرقابة المشددة على الأموال، وسنّت التشريعات المالية المميزة بالدقة والشفافية، في ضوء القانون الدولي والمعاهدات الرامية إلى مكافحة غسل الأموال، وقمع تمويل الإرهاب وفق اتفاقيات فيينا وباليرمو، وكل النظم والمعاهدات الدولية، لتجفيف منابعه ومصادر تمويله، وشرعت في مكافحة الفساد المالي، وأعلنت حربها عليه بلا هوادة، وتعاونت في تطوير النظم المالية مع صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة.

ولا يمكن أن تكون المملكة محل شك أو ريبة في موقفها التاريخي الشجاع، ضد هذه الآفة التي تهدد الأمن والسلم الدوليين.

لكن بعض الأصوات دأبت على كيل الاتهامات وزرع الشكوك، خارج الإطار القانوني وبعيدا عن المهنية، فقد خرجت قائمة المفوضية الأوروبية المقترحة للدول «عالية المخاطر» عن حيز المعيارية إلى التخمين والتضليل، مما جعلها محلّ استهجان دوليّ واسع، إذ أعلنت الخزانة الأميركية أن الطريقة التي حدّثت بها المفوضية الأوروبية القائمة، تتناقض -بشكل صارخ- مع منهجية مجموعة العمل المالية الدولية «FATF» المخولة بوضع معايير الأنظمة المالية والحكم على كفاءتها.

وقد شغلت المملكة فيها منصب «عضو مراقب»، إذ أشادت المجموعة بمستوى التزام المملكة بتوصياتها، وامتياز الأنظمة بالمتانة والقوة، والتمتع بإطار قانوني قادر على تنفيذ العقوبات المالية كافة حال الحاجة، مما يعزز جهود المملكة الحثيثة في هذا المجال، ويقوّض مصداقية المفوضية الأوروبية أمام دول العالم ومنظماته، وأمام دولها في الاتحاد الأوروبي التي أعلنت رفضها القاطع للقائمة. بينما تستمر حكومة المملكة في الالتزام بمكافحة غسل الأموال، وقمع تمويل الإرهاب، فهو أولوية إستراتيجية تتطور وتتحسن لضمان النزاهة، بالتعاون مع الشركاء من جميع دول العالم، وبهذا تكون المملكة قد أوفت بوعدها في الحرب على الإرهاب، وقطعت السبيل على كل الأموال «القذرة» من النفاذ إلى بؤر الإرهاب ومنظماته، ولو كانت كل دولة تقوم بالدور نفسه الذي قامت به الدولة السعودية، لما وجدت فلول الإرهاب على الأرض ملاذا للعيش، ولم يسعها إلا التماهي في النسيج المجتمعي، والانصياع إلى قيم العدل والاحترام والتسامح.