شرع الله لعباده دين الإسلام سمحا ميسرا، ومنع من الزيادة فيه، لأن ما لم يكن إسلاما في زمن نبينا عليه الصلاة والسلام فإنه لا يكون إسلاما بعده، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)، وهذا والله تيسير على العباد، وإلا لو كان كلٌ يزيد في الدين حسب استحسانه وآرائه ورغباته، لكان الدين ثقيلا محملا بالآصار والمواسم العبادية التي يشرعها المبتدعة، لأن كل مُبتَدِع يأتي بشيء جديد في الدين، فيضيفه إلى بدع المبتدعة الذين سبقوه، وبهذا يناقضون سماحة الإسلام ويسره، ويشوهون صورة الإسلام السمحة الناصعة، وينفِرون منه، لكونهم شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، ومن ذلك: أنهم شرعوا التوسل بالموتى، وأحدثوا الموالد، وسفكوا دماءهم في عاشوراء زعما منهم أن هذا قربة إلى الله، وطائفة من أهل الدروشة الصوفية يتمايلون ويرقصون في الذكر، ويضربون عليه بالدف ديانة وتعبدا، فيا سبحان الله.

وبعضهم يزعم أنه يحج البيت وهو في مجلسه، وأن النبي عليه الصلاة والسلام يأتيهم في تجمعهم، إلى غير ذلك من ضلالاتهم، وهذه والله جناية على الدين، وتنفير منه، فما أعظم فرح أعداء الملة والدين بهم، ولهذا يرى كل متابع أن المبتدعة مدعومون من أعداء الإسلام، كيف لا، وقد كفوهم المؤونة في طمس صفاء ونقاء الدين الخالص، ببدعهم وطرقهم وضلالاتهم.

إن المبتدعة يعلمون أن الله أكمل الدين كما في قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) لكنهم مع ذلك يُعاندون ويزيدون في الدين، ويعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن كل البدع والمحدثات في الدين، كما في قوله: (كل بدعة ضلالة)، ولكنهم مع ذلك يعاندون ويقولون (ليس كل بدعة في الدين ضلالة)، ويعلمون أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة)، فيقولون: (ليس كل محدثة في الدين بدعة)، وكأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم والذي فهمه الصحابة على ظاهره، بل وحتى رعاة الشاء والإبل الذين يسمعون كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فينطلقون ناقلين لأصحابهم ما سمعوه وفهموه، كأنه في نظر أولئك المبتدعة ألغاز، وأن معنى (كل بدعة ضلالة) (ليس كل بدعة ضلالة)، ومعنى (وكل محدثة بدعة) (ليس كل محدثة في الدين بدعة)، وأن الصحابة والقرون المفضلة لم يفهموا كلام نبيهم عليه الصلاة والسلام، لأنهم لم يضعوا الموالد والأضرحة والرقص بالذكر ونحو ذلك من البدع، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد شيئا وأمر بنقيضه، تعسيرا على العباد، ولم يكتشف ذلك إلا المبتدعة، هذا هو مقتضى أقوالهم واستدلالاتهم، وحاشا رسول الله من ذلك.

وإن تعجب أخي القارئ فعجبٌ تركهم النصوص الشرعية المعصومة، وبحثهم في الكتب لعلهم يجدون فيها قولا يرون أنه ربما يوافق أهواءهم، فيجعلونه أصلا يعارضون به النصوص الشرعية، ومعلوم أن العلماء يُحتج لهم ولا يحتج بهم، فهم غير معصومين، ولم يتعبدنا الله باتباع أحد من الخلق إلا الرسل كما قال تعالى (ماذا أجبتم المرسلين) وليس ماذا أجبتم العالم الفلاني والشيخ الفلاني، والعالم يؤخذ بقوله إذا وافق الدليل فقط، ولا يقدَم قوله على قول الله ورسوله قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)، ثم إن العلماء يحذرون من البدع كلها، ولكن المبتدعة لم يفهموا كلام العلماء.

ومن العجب أيضا: أنهم يبحثون عن نصوص شرعية، ليبطلوا بها النصوص الشرعية التي تحرم البدع، وكأن النصوص الشرعية يبطل بعضها بعضا؟

إن الوحي من الله ولا يمكن أن يتعارض، ومن توهم التعارض فهو بسبب سوء فهمه، أو سوء قصده، أحدهما أو كلاهما، وإلا فكلام الله تعالى وما صح من حديث رسول الله لا يمكن أن يتعارض.

فمثلا يوردون حديث (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها... الحديث) على مشروعية البدع، وهم في ذلك خاطئون، فهذا الحديث مع أنه لم يأت بلفظ البدعة قط، معناه: من أحيا سنة أمر بها الشارع، يدل على ذلك سبب الحديث، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بالصدقة، فبادر بذلك أبو بكر رضي الله عنه فتتابع الصحابة، فقال رسول الله (من سن سنة حسنة..الحديث) فما علاقة ذلك بالبدع؟ فالصدقة مشروعة ليست بدعة، وأبو بكر رضي الله عنه أول من نفذ أمر النبي عليه الصلاة والسلام فكان قدوة خير، فله عظيم الأجر، فكيف يستدَل بذلك على ترويج البدع؟

ويستدلون أيضا: بقول عمر رضي الله عنه عندما بادر بجمع الصحابة على إمام واحد في التراويح (نعمة البدعة هذه)، ويجهلون أو يتجاهلون أن عمر يريد المعنى اللغوي للبدعة، وإلا فالتراويح هي سنة فعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن هو رضي الله عنه أول من أعادهم إلى ما كان عليه رسول الله في صلاة التراويح خلف إمام واحد، فلا دليل لهم فيه، بل هو دليل عليهم، وأيضا عمر رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين الذين قال فيهم النبي عليه الصلاة والسلام (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين).

ومن تلبيسهم الاستدلال بأمور دنيوية تنظيمية حادثة لاستخدامها في نشر العلم النافع، كاستخدام التقنية في الدعوة، أو طباعة المصحف الشريف، بل إن بعضهم يقول إن السيارات والطائرات والتقنية لم تكن موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا ولو أخذنا بعموم (كل بدعة ضلالة) لكانت هذه الأشياء ضلالات، فيا سبحان الله ما أعظم خطر الجهل على أهله، إنهم لجهلهم يزعمون أن مقتضى قول النبي عليه الصلاة والسلام (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) تحريم التقدم والعلم والتقنية، وهذا ما لم يفهمه جهال الكفار من اليهود والنصارى المعادين للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والفرق بين أمور الدين والدنيا ظاهر لكل عاقل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن يلقحون نخلهم (أنتم أعلم بأمور دنياكم، ولكن إذا حدثتكم عن اللهِ شيئا فخُذوا به).

إن جميع هذه الأحاديث التي يستدل بها المبتدعة لبدعهم، لم يفهم منها رواتها من الصحابة أن البدع منها حسنة ومنها سيئة، بل يرون كل البدع سيئة، وليس عند المبتدعة ضابط لمعرفة الحسن، فإن قالوا الحسن ما جاءت به الشريعة، قلنا: ما جاءت به الشريعة لا يسمى بدعة في الدين، وإن قالوا الحسن ما استحسنته العقول، قلنا: أنتم لا تقولون بالتحسين والتقبيح العقليين، فكيف جعلتم عقولكم مرجعا؟ ثم نقول: بعقل من يُعْرَف حسنُ الشيء شرعا أو سوؤه ؟ فلكلٍ عقل، وما ترون العقل يدل على حسنه، يراه عقل غيركم سيئا، فبأي حجة يكون عقلكم خيرا من عقل غيركم؟ ثم نقول عقول الصحابة والقرون المفضلة أجمعوا على مخالفتكم فلم يقولوا بتحسين البدع، ولم يحدثوا ما أحدثتم من هذه التكلفات والدروشة والرقص والتمايل وغيرها من أباطيل المتصوفة والمبتدعة، وهم أحرص منكم على الخير، وأعلم منكم بالكتاب والسنة.

يظهر لي أن التوحيد الخالص، يفقد كثيرا من رؤوس المبتدعة مراكزهم، ويفقدهم المال والتبعية والسيادة المتوهمة التي يطلقونها على أنفسهم، ولذلك يسوّغون البدع، ويضلون أتباعهم، ولا يحترمون عقولهم، فعلى المسلمين أن يحققوا التوحيد الخالص لله رب العالمين، ولا يلتفتوا للمبتدعة، قبل أن يقولوا يوم القيامة: (ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا* ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا).

فالدين يسير وسمح، لا يحتاج إلى سادة يضلون الناس، ولا زيادة وبدع في الإسلام، فكل البدع سيئة وإن زعموها حسنة، وقد قال ابن عمر رضي الله عنه: (كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة)، وقد قال الإمام مالك: (من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله يقول {اليوم أكملت لكم دينكم} فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم دينا).