عدّتُ بالذاكرة وأنا أقف أمام قاعة نايف بن عبد العزيز رحمه الله في مبنى مجلس وزراء الداخلية العرب، الذي يقع على ضفاف البحيرة في العاصمة تونس، مشُاركاً وفد جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، ولمحت حيث وقفت لحظة دخول سمو وزير الداخلية الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز، حفيد نايف الحكمة، هذا الأمير الذي استمعت إلى كلماته طوال خدمتي تحت إدارته في الوزارة، وبجانبه دوماً الأمير عبد العزيز الذي أخذ عنه الحكمة واليقظة والترُّوي، لمَسْتُ ذلك من رئاسته لاجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب والمجلسْين الداخلية والعدل العرب، الذي انعقد الأسبوع الماضي في تونس، فكانت إدارة سموه لهذا الاجتماع بصمة لعطاء استفاد فيها من حكمة نايف بن عبد العزيز رحمه الله، إلاّ أن الأمير عبد العزيز جاء ليقود مرحلة متجددةً بعطائها ونجاحاتها وتختلف عن مرحلة مضت، فالمنطقة التي نعيشها اليوم أصبحت بحاجةٍ إلى تجدّد الحكمة وسرعة الإنجاز التي يفُوزُ بها اليوم الأمير عبد العزيز وزير الداخلية حفظه الله، إن ملامح إدارة الجلسة التي حضرها أكثر من 40 وزيراً للداخلية والعدل جعلت من قاعة الاجتماعات ورشات عمل لمناقشة قضايا الأمة العربية التي تهدُّد لحمة العروبة، تلْك القرارات التي خرجت بها هذه الاجتماعات ستكون بإذن الله كافيةً ورادعة من الوقوع في شرك الإرهاب والجريمة، لقد كان الاجتماع على درجة من وعي الوزراء، وكان التخطيط على قدر المسؤولية التي يراها سمو وزير الداخلية وإخوانه أصحاب السمو والمعالي الآخرون، الذين حضروا هذه الجلسات. والمتتبع لبيان تونس الذي أعلنه الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب يلحظ متغيرات جديدة ونجاحات فاقت التوقعات، جاء في مقدمتها إبرام عدد من الاتفاقيات، ووضع الإستراتيجيات والخطط التي ترتقي إلى عالم تقف به الأمة العربية على قدم تحمل المسؤولية المشتركة، بين وزراء الداخلية والعدل العرب، حيث تم توقيع عدد من الاتفاقيات ومن بينها البروتوكول الذي وقعه سمو وزير الداخلية ومعالي وزير العدل، وهو مشروع البروتوكول العربي لمنع ومكافحة الاتجار بالبشر، وبخاصة النساء والأطفال، ومشروع منع ومكافحة القرصنة البحرية والسطو المسُّلح، وهو مكمل للاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، واتفاقيات أخرى تهتم بمكافحة الإرهاب والمخدرات وبعض القضايا الأمنية والقضائية الأخرى، والتأكيد على أن تعزيز التعاون بين بلداننا العربية هو من الأولويات التي لا بد أنْ نَسْعى إلى الحفاظ عليها من خلال مؤُسّسات العمل العربي المشترك، لقد كانت جلسة مشتركة ذات ثمار مُهمة على الأمن القومي العربي، اشترك فيها خبراء ومستشارون على مستوى عال من التخطيط، والخروج بمثل هذه القرارات والمشاريع التي كما ذكرت ساهم فيها علماء الخبرة في النواحي الأمنية والقضائية، وفي المقدمة منجزات جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، التي أعدت على مدى عقود من الزمن ما يعود نُفعُه على الأمُّة العربية بالاستقرار والأمن، وهذا ما تعُّده وتقوم به الجامعة باعتبارها الذراع العلمية التي فتحت المجال أمام الخبراء والمتخصصين في علم القانون والجريمة والعدالة الجنائية، وما يحتاجه رجل الأمن العربي، ولعل من مخرجات هذه اللقاءات التي قادها سمو وزير الداخلية تلك اللفتة التي أُعلْنت في أعقاب الاجتماع، وهي تكريم رجل المصالحة وعبقري الدبلوماسية الشيخ صباح الأحمد الجابر، بمنحه جائزة الأمير نايف للأمن العربي، والتي تمنح سنوياً على هامش هذه الاجتماعات، والتي أصبحت تخليداً لذكرى فقيد الأمن العربي نايف بن عبد العزيز رحمه الله، ولا شك أن جهود أمير دولة الكويت تستحق مثل هذه الجائزة لخبرته وعمله الدؤوب على تحقيق الأمن والمساهمة في استقرار الشعوب. إن هذه الدورة (36) لمجلس وزراء الداخلية العرب جلسة مختلفة العطاء رئاسة وموضوعات وقرارات، تَشَاَرك فيها عمل دؤوب أنتج هذا الإبداع بقيادة سمو وزير الداخلية. شكراً لسموه وشكراً لتونس الشقيقة ولأمانة المجلسين، ولكل وزراء الداخلية والعدل، وإلى مزيد من الأخوة وتحقيق الأمن للوطن العربي، إذْ تأتي هذه في مسيرة المملكة التي يتوُجّها العمُل المخلص الذي يصُب في مصلحة الأمن العربي عبر مستوياته المتعددة، ومشاركات دوله الفاعلة، التي تربطها بالمملكة علاقات أخوّة ومحبة صادقة.