لا خلاف على أن المنظمات الصحية هي أحد أكثر التنظيمات الإدارية تعقيدا مقارنة بالتنظيمات الإدارية الأخرى. ولتعقيد المنظومة الإدارية في الخدمات الصحية أسباب عدة، من أهمها تعدد الأهداف التي يقع على كاهل المنظمات الصحية تحقيقها، وكذلك التنوع الكبير لمهام العمل والتخصصات والمهام، وأيضا التداخل بين الخدمات الصحية المقدمة واعتمادها على بعضها البعض بشكل كبير. كذلك فإن من أهم أسباب هذا التعقيد الإداري هو طبيعة العمل الطارئ وغير القابل للتأخير أو التأجيل أو الانتظار، والذي يتطلب تقديم خدمة ذات جودة عالية على مدار الساعة.

ورغم نهج بعض المؤسسات الصحية إلى تخفيف هذا التعقيد من خلال نهج أساليب الإدارة الحديثة، واستنساخ التجارب الإدارية في القطاعات الخاصة في مجال الأعمال والشركات العملاقة، إلا أن معظم هذه المحاولات لم تنجح بالشكل المطلوب، ويرجع ذلك لكون المنظمات الصحية هي ذات طابع إنساني بحت، فمدخلات الإدارة الصحية ومخرجاتها هي المريض والمراجع، وهذا يحتم إيجاد تنظيمات إدارية خاصة بالمؤسسات الصحية.

ولعل من أكثر العقبات التي تواجه المنظمات الصحية القدرة على قياس المخرجات لتلك المنظمات، ورغم الاجتهاد في وضع مؤشرات قياس الآن إلا أن تلك المؤشرات لا تعكس حقيقة الواقع، وتفتقر إلى التركيز على رضا العميل (المريض والموظف)، كمؤشر أساسي لقياس نجاح المنظمات الصحية. وحتى نكون أكثر إنصافا فواقع رضا العملاء لا يتوافق إطلاقا مع المؤشرات التي تصدر بشكل روتيني عن معظم أنشطة المنظمات الصحية.

ورغم تعاقب الإدارات وتحديث الأنظمة الصحية بين فترة وأخرى، فقد ظلت النظرية الإدارية التقليدية هي المسيطرة على الإدارة الصحية، واختزلت إشكالية النظام الصحي في قضية الهيكل التنظيمي، الذي لا يثبت بسبب كثرة التغييرات فيه وعدم الثبات، ويعود عدم ثبات الهيكل إلى عدم الرضا عنه، وبالتالي بدلا من البحث عن حلول لمشكلة النظام الصحي بشكل جذري نظل نبحث وندور في عملية الترقيع والقص واللصق في ذلك الهيكل الصحي التقليدي. ولا يقتصر الأمر على إعداد ذلك الهيكل المتضخم بل نجد أن ذلك الهيكل يفتقر إلى اللوائح والقواعد التي تحدد الوظائف التي تشغله، وكذلك يفتقر إلى الكفاءات المؤهلة، وتطغى عليه أحيانا العلاقات والعواطف.

ورغم أن الحلول العملية للنظام الصحي هي مشكلة عالمية إلا أنه يمكن القول بأنه لا بد من التركيز على الجانب الإنساني، والذي يعنى بالمريض والموظف، وهذا يتطلب التركيز على تحفيز العامل البشري وتنمية مهاراته بشكل مستمر، وعدم تجاهل الصراعات والخلافات والانتقادات، والتي قد تكون سببا في تصويب البوصلة الصحية للاتجاه الصحيح. كذلك التركيز على وضع الأهداف من جانب العميل (ملاحظات المريض والموظف)، وليس من الجانب الإداري للمنظومة الصحية. وأخيرا التخلص من الهيكل الهرمي التقليدي والاهتمام بتحويل المنظومة الصحية إلى تنظيم مصفوف بشكل أفقي يعطي قدرا أكبر من التواصل والمرونة، وقدرة على التعامل مع الموظفين بمهنية أفضل، والتخلص من المركزية، وقبل ذلك يؤدي إلى تلمس احتياجات المرضى والاستجابة لرغباتهم بسرعة أكبر.