يكتسب الفرد أثناء دراسته في المؤسسات التعليمية كثيرا من المعلومات والمهارات المعرفية في علوم الدين والشريعة والطبيعة والاجتماع... إلخ. وبهدف تأهيل الفرد وتمكينه من ممارسة تخصصه المستقبلي بنجاح، يتم تطوير المناهج الدراسية والأكاديمية بشكل دوري للتأكد من احتوائها على أحدث المهارات المعرفية العامة والتخصصية.

إلا أن النجاح المهني يتطلب، أيضا، أن يتمتع الفرد بمهارات شخصية (Soft Skills)، وهي قدرات غير تخصصية وغير فنية، مثل التفكير والتحليل المنطقي والتحفيز الذاتي والتعلم المستمر والتواصل الفعال، والالتزام بأخلاقيات المهنة وحل الخلافات والتعامل مع الضغوط والعمل بكفاءة ضمن فريق العمل... إلخ.

وفي حين تركز المناهج الدراسية، عادة، على التأهيل العلمي وكمية المعلومات التي «يُستهدف» بها الطالب في كل مرحلة دراسية، فإنه لا يتم الاهتمام بشكل كاف بتنمية مهاراته الشخصية، مع أن للمهارات الشخصية دورا حاسما في النجاح المهني وتميز الفرد عمن يحملون نفس المؤهل أو مؤهلات علمية أعلى.

إن النجاح المهني يرتكز، بالإضافة إلى المعرفة الجيدة في مجال العمل، على مهارات الفرد الشخصية والتي تُمكّنه من التعامل بفعالية مع الآخرين ومواجهة الظروف والتحديات المتغيرة واستثمار المستجدات. لذلك فإن امتلاك المهارات التخصصية والفنية فقط لا يضمن للفرد التميز، بل يجب عليه أيضا أن يمتلك مهارات شخصية، تتفاوت بحسب كل حالة، مثل الإصرار والمثابرة والمقدرة على التعامل مع الضغوط المختلفة، والتحفيز الذاتي والتعامل الناجح ضمن فرق العمل. وذلك يفسر عجز بعض المتميزين في تخصصاتهم عن تحقيق إنجاز يوازي تميزهم لأنهم لم يستطيعوا التعامل مع المثبطات والعقبات، والتي هي دوما موجودة.

توصف المهارات الشخصية بأنها «مرنة» لأن الشخص الذي يتمتع بمهارات شخصية مميزة يستطيع أن يعمل بكفاءة في مهام متعددة ومتفاوتة، حتى وإن لم تكن وثيقة الصلة بتخصصه العلمي. لذلك قد نرى شخصا متخصصا في الهندسة، مثلا، يقود منظومة عمل صحية أو تعليمية أو تجارية.

تسعى جهات التوظيف إلى تعيين أصحاب المهارات الشخصية المتميزة لأهميتها في التقدم المهني للفرد ومساهمته بفاعلية في نجاح منظومة العمل. على سبيل المثال فإن المهندس الذي يعمل في مصنع ما لن يحتاج، غالبا، إلى أن يستذكر في عمله العديد من القواعد الرياضية والهندسية التي مرت عليه أثناء دراسته الأكاديمية، لكنه في المقابل حتما سيواجه خلال تطوره المهني ظروفا تتطلب منه التواصل الفعال مع زملائه ورؤسائه ومرؤوسيه، وتعلّم معارف وعلوم جديدة، والتعامل بحكمة في حل خلافات قد تظهر ضمن فرق العمل التي سيشارك فيها.

وفي حين يستدل عادة على مهارة الفرد التخصصية والفنية من خلال شهادات التأهيل العلمية وشهادات الخبرة العملية، فإنه من الصعب التعبير عن مهارة الفرد الشخصية بالأرقام، ويُعوّل أحيانا على إفادات زملاء الدراسة أو الوظيفة أو المهنة لمعرفة ما يتميز به الفرد من مهارات شخصية.

إن للمخالطة دورا في صقل مهارات الفرد الشخصية. لذلك، عادة، ما تتطور المهارات الشخصية لدى الدارسين في الدول المتقدمة بحكم احتكاكهم بالمجتمعات المتقدمة «مهنيا». وفي الحقيقة فإن هذا المكسب لا تقل أهميته عن الحصول على الدرجة أو الشهادة العلمية.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى...