أثناء النشر لهذه السلسلة من المقالات، حصل بعض التداخل في عرضها. حيث تحدث المقال الماضي عن الخطوة الثالثة (التنفيذ). ومن المعلوم أن (الصياغة) تأتي كمرحلة ثانية من مراحل الإدارة الإستراتيجية. وسنتحدث اليوم عن آلية صياغة إستراتيجية التحول نحو الوضع الجديد المرغوب فيه. حيث إنه قبل أي صياغة، يجب أن توضع عناصر مهمة أمام أعين المخططين تتمثل في: إلى أين ترغب المنظمة أن تتجه؟ وأين تقف الآن؟ وأي الخيارات والبدائل التي ستعتمد عليها في الانتقال؟

بعد الإجابة على هذه الأسئلة والتي تكون إجاباتها بناءَ على المرحلة الأولى والتي تحدثت عنها المقالتان السابقتان، فإننا ننتقل إلى البُعد الأول من مرحلة صياغة الإستراتيجية، والذي هو عبارة عن تحديد خطوات عملية صياغة الإستراتيجية، وتتمثل بالتالي: أولاً: تصور ما يمكن أن تتجه إليه المنظمة إذا استمرت على وضعها الحالي. ثانياً: إعادة النظر في الأهداف الإستراتيجية التي سبق تحديدها. ثالثاً: تحديد الوضع الحالي من قبل فريق التخطيط الإستراتيجي ومقارنته بالوضع المرغوب، ومن ثم تحديد الفجوة الإستراتيجية. رابعاً: البحث عن الإستراتيجيات التي تسد الفجوة. خامساً: تقييم البدائل الإستراتيجية من خلال فوائدها وتكاليفها. سادساً: ترجمة الأهداف المتفق عليها من قبل فريق التخطيط الإستراتيجي إلى خطة عمل خلال فترة زمنية محددة. سابعاً: صياغة وثيقة الإستراتيجية في شكلها المتكامل، وذلك من خلال التوضيح الكامل للوضع الحالي، ومن ثم رسم الأهداف التي تسعى المنظمة إلى تحقيقها، ووصف كل أسلوب إستراتيجي تم اختياره لتحقيق تلك الأهداف.

ولصعوبة الأمر نوعاً ما، فإن هناك طرقا مساعدة على صياغة الإستراتيجية، وتتوزع هذه الطرق أسفل ثلاثة إطارات ضخمة: طرق لتحليل الأنشطة الصناعية مثل منحنى الخبرة ودورة حياة المنتج، إلخ. وطرق لتحليل المحافظ الاستثمارية مثل نموذج جماعة بوسطن، ومصفوفة جنرال إلكتريك، ونموذج الساعة الإستراتيجية، إلخ. وطرق شمولية مثل طريقة دلفي، وطريقة السيناريو، إلخ. وبما أن لكل طريقة الكثير من التفاصيل، فإنه لا بد من أن يفهم المخططون الوضع الحالي بشكل جيد جداً، من أجل اختيار الطريقة الأفضل والمثلى للانتقال إلى الوضع المرغوب فيه.

البُعد الآخر في مرحلة صياغة الإستراتيجية هو البُعد الذي يرتكز على الخيارات والبدائل الإستراتيجية المتاحة للمنظمة. والخيار الإستراتيجي كما يراه الباحثان: هو «عبارة عن ناتج لعملية المفاضلة المستندة على معايير محددة بين البدائل المتاحة الممكنة والقابلة للتنفيذ، والقادر على تحقيق النجاح لأهداف المنظمة والأطراف المرتبطة بها من خلال استغلاله لنقاط القوة، وفي اقتناص الفرص البيئية المتاحة وتجنب التهديدات المحتملة».

وبالتأكيد أن أي خيار إستراتيجي يجب أن يمر على مراحل لصنعه: يبدأ بتطوير وتوليد البدائل الإستراتيجية الممكنة، ومن ثم تقويمها وفق معايير محددة، وأخيراً اختيار البديل المناسب. ومن الضرورة بمكان أخذ بعض المعايير الأساسية في الحسبان عند دراسة كل خيار إستراتيجي، مثل ملاءمته للظروف التي تعمل فيها المنظمة، وأن يكون مقبولاً من العاملين بحيث إنه يؤدي إلى أقل مخاطرة ممكنة وأكبر عوائد متاحة، وأيضاً أن يكون ممكناً العمل على تنفيذه وذلك بتوافر الموارد والإمكانات اللازمة لإنجاحه.

الأمر الأخير في هذه المرحلة، هو أنواع وتصنيفات الخيارات الإستراتيجية التي تأتي على عدد من المستويات: أولاً: على المستوى الكلي للمنظمات، وتأتي إستراتيجياته في أكثر من 17 إستراتيجية فرعية تقع تحت أربعة مظلات كبرى. وهي: إستراتيجيات الاستقرار والثبات، إستراتيجيات النمو والتوسع، إستراتيجيات الانكماش والتراجع، الإستراتيجيات المركبة. ثانياً: على مستوى وحدات الأعمال، وهي إما إستراتيجيات تنافسية أو تعاونية. ثالثاً: على المستوى الوظيفي، وهي تلك الخيارات التي تتم على تطوير إستراتيجيات التكنولوجيا، والمالية، والموارد البشرية، والإنتاج والعمليات، والتسويق.

كما أن هناك إستراتيجيات مخصصة للمواقع التنافسية ولطبيعة الأنشطة التي تعيشها بعض المنظمات، فإستراتيجية المنظمة المهيمنة تختلف عن تلك المنظمة التي تعيش على هامش السوق، كما تختلف عن تلك التي تمر بوقت حرج. وقد أوضح الباحثان كيف تستطيع المنظمات التفاعل بإستراتيجيات حول كل نشاط. ومثل ما للموقع التنافسي إستراتيجيات محددة، فإن مراحل النمو ومراحل النضوج ومراحل الانحدار في المنظمات لها إستراتيجيات مختلفة ومتعددة.

هذا باختصار كل أنشطة مرحلة صياغة الإستراتيجية، والتي يجب على كل قيادي أو إداري أن يعرف ولو لمحة بسيطة عن كيفية صناعتها وإدارتها.