تتميز العواصم في معظم الدول الكبرى بشوارع تجارية مميزة وكبيرة وواسعة، تكون محل استقطاب روادها ليلا ونهارا. وفي مدن ضخمة مثل برلين وطوكيو تم التخلص من السيارات نهائيا وتحويل شوارع كثيرة إلى طرق خاصة بالمشاة فقط، وذلك تزامنا مع توجهها في خططها الإستراتيجية لتعزيز حركة المشاة، وتشجيع ركوب الدراجات، من خلال الارتقاء بعناصر التصميم العمراني لتدعم هذا التوجه. في الرياض يعتبر شارع التحلية أو «شانزليزيه الرياض» -كما هو دارج- الشارع الأشهر بين شوارع العاصمة، والأكثر حيوية، حيث تتوزع على جوانبه المقاهي والمطاعم والمتاجر العالمية، وتقام فيه الاحتفالات، والعروض الميدانية، والبازارات الشعبية، إلى جانب عروض من السيرك العالمي، باختصار فيه تكتمل أركان المتعة والرفاهية. إلى هنا شارع التحلية فعلا يستحق المسميات التي تطلق عليه، إلى أن يدخل أصحاب دبابات البانشي، بهمجية بين مشاة الشارع، غير مبالين، بأقصى أنواع الفوضى والاستفزاز، ليتحول جمال شانزليزيه الرياض إلى أحد شوارع مكسيكو سيتي. إزعاج المشاة وتعطيلهم وإخافة الصغار يتعارض مع خطة أمانة المنطقة بجعل «الرياض صديقة للمشاة»، حسبما أوضح أمين منطقة الرياض في أبريل 2008، أن الأمانة وضعت خطة متكاملة طويلة الأمد لجعل المدينة صديقة للمشاة، عبر التشجير والتجميل للطرقات والشوارع الداخلية، وإقامة المتنزهات والحدائق وممرات المشاة والساحات البلدية في أنحاء الرياض. وهذا لا يمكنه الحدوث في شانزليزيه الرياض مع انتشار المراهقين بدباباتهم واستعراضهم الجماعي، بطرق استفزازية ومزعجة بأصواتها للمشاة، جعلتهم يعافون الشارع ورياضة المشي. هذا بخلاف دخان العوادم الذي يشكل خطورة على نقاء الهواء وتلويثه بثاني أكسيد الكربون. هم أفسدوا على الأمانة خطتها، وأفسدوا على مشاة الشارع ورواده يومهم، كما حرموا أنفسهم المشي في الطريق والاستمتاع بممارسة رياضة المشي.

جمال الشارع يكمن في نسمات الهواء النظيفة، التسكع بكل راحة في المحلات التجارية الصغيرة على جنبات الطريق، حيث انتشار المقاهي بجلاسها، وتعالي ضحكاتهم، صوت الموسيقى الخافت، شهقات الأطفال ولعبهم، الأجواء هناك بشكل عام ليست مهيأة ولا تتناسب مع وجود تلك الفئة المزعجة. نحن هنا لا نصادر حق هواة ركوب الدبابات في ممارسة هوايتهم، ولكن احتراما للطريق ونظام الطريق، لا يجدر بهم فعل ذلك، كما أن لهذه الهواية وممارسيها أماكنهم المخصصة، لهم كامل الحرية فيها. في حقيقة الأمر الشكاوى من هذه الإشكالية ترجع لعام 2003، أي قبل أن تشكل الأمانة خطتها ومع هذا لا أحد يرى ولا يسمع. وهذا التجاهل يضع الأمانة في موقف حرج مع سياسة تنفيذها لخطتها منذ 11 سنة، لهذا قد يتطلب الوضع من أمانة الرياض إصدار عقوبات وغرامات مالية بحق كل من يستهتر بالنظام وحق الشارع ومصادرة دباباتهم. لا يمكننا الارتقاء بالتجاهل، فمتى ما ارتقينا نحن كأشخاص ارتقى كل شيء من حولنا.