في الجزء الأول من المقال كان الحديث عن أهمية المهارات الشخصية للنجاح، ونُركّز هنا على أهميتها في قيادة منظومات العمل.

إن القيادة الناجحة لمنظومات العمل تتطلب مهارات شخصية ومهنية أكثر مما تتطلبه من مهارات فنية تخصصية، حيث إن المهارات الشخصية اللازم توافرها في القائد الناجح تختلف عن المهارات التخصصية والفنية التي يتمتع بها الإنسان الماهر في تخصصه. وبالتالي فإنه يصعب على المتخصص الماهر والحاذق في عمله، أيا كان تخصصه، أن يقود بكفاءة منظومة العمل ما لم يتمتع بالمهارات الشخصية اللازمة للقيادة. لذلك قد نرى أشخاصا ماهرين في تخصصاتهم، لكنهم عندما تولوا منصب القيادة لم يوفقوا.

إن إبداع الطبيب الجرّاح في إجراء العمليات الصعبة والمعقدة (لتميزه في المهارات المعرفية التخصصية) لا يعني بالضرورة أنه سيُوفق عندما تُناط به مهمة قيادة المرفق الصحي. وذلك لأن المهارات الشخصية المطلوبة لنجاحه في القيادة تختلف عن المهارات المعرفية التي حققت له التميز في التخصص.

إن القيادة الناجحة لمنظومات العمل، سواء كانت إدارة صغيرة أو كبيرة، تتطلب من القائد تحفيز الموظفين، على تفاوت إمكاناتهم وطبائعهم، لرفع كفاءة الأداء (الفردي والكُلّي) حتى يتم تكوين فريق عمل مُتجانس، قدر المستطاع، يمكنه التعامل بفاعلية مع الظروف المختلفة وتحقيق أهداف منظومة العمل.

وجدت دراسة ميدانية أن الذكاء العاطفي يتسبب في 90% من حالات النجاح المهني للأفراد، عندما يكون مستوى الذكاء والمهارات التقنية متقاربا بينهم.

ووجد البحث في أكثر من 200 شركة ومنظومة عمل في جميع أنحاء العالم أن الذكاء العاطفي أهم بمقدار الضعف مقارنة بالقدرات التقنية والمعرفية للتمييز بين أفضل الموظفين، بينما كانت أهمية الذكاء العاطفي 4 أضعاف القدرات التقنية والمعرفية للتمييز بين أصحاب المناصب القيادية العليا.

وتوصلت دراسة استقصائية لأكثر من 500 من المديرين التنفيذيين أن الذكاء العاطفي للفرد هو المؤشر الأفضل لنجاحه المهني، وليس خبرته السابقة أو مستوى ذكائه.

في حين يشير تقرير لينكيدإن (LinkedIn) للقوى العاملة لعام 2018، إلى أن القيادة والتواصل والتعاون وإدارة الوقت هي المهارات الشخصية المطلوبة بشكل أكثر إلحاحا في منظومات العمل.

خلاصة القول: فإنه ينبغي ألا يكون التركيز على تأهيل أبنائنا من الناحية العلمية فقط، مع أهميتها الأكيدة، ولكن علينا أيضا مراعاة تنمية مهاراتهم الشخصية، وكذلك الجوانب السلوكية والروحية. ومما يُسهم في تحقيق ذلك الأنشطة اللاصفية (مع أهمية الاعتناء بحُسن تصميمها وتنفيذها) والأعمال التطوعية وتحمل مسؤوليات محددة في الأسرة. علما بأن تنمية المهارات الشخصية تتطلب جهدا ووقتا، فـ[إنما العلم بالتعلم، وإنما الحِلْم بالتَّحَلُّم]. ولنا في أصحاب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، حيث كانوا -رضي الله عنهم جميعا- إذا تعلّموا من المعلّم الأعظم، صلى الله عليه وسلم، عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها حفظا ومعنا وتطبيقا، فتعلموا القرآن والعِلم والعَمل جميعا.