خرجت من المسجد فإذا بالناس مكتظين أمام الباب، يتدافعون وكأنهم خارجون من صلاة جمعة رغم أن الوقت عشاء. ما الذي يحدث؟ يبحثون عن أحذيتهم، يجيب أحدهم. تذكرت ذلك «الصندوق الأسود» الذي تم وضعه منذ يومين أمام باب المسجد من الخارج، وكُتبت عليه جملة تحذيرية «إذا لم تضع حذاءك في المكان المخصص فسيجده في هذا الصندوق»! أخذت حذائي-أجلكم الله- من المكان المخصص وانتظرت صديقي الذي كان يبحث عن حذائه، وحين وصل حاول أن يبرر موقفه بأنه كان مستعجلا ليدرك الركعة الأمر الذي جعله يلقي بحذائه عند الباب.

قلت له ولماذا العجلة؟ رد بقوة المنتشي بصحة موقفه: لو كان هناك توزيع شيكات أو أراض مجانية لجاء الناس إليها هرولة لكن لأنها صلاة يمشي الواحد منا كسلان كحالة المنافقين!

قلت له إن من قال لك هذا فقد جمع بين الجهل والحماقة، وهل يُعقل أن أركض إلى الصلاة حتى أثبت أنني لست منافقا؟ النفاق المذكور في الآية أنهم يأتون إلى الصلاة كسالى لأنهم لا يؤمنون بها أصلاً. هل نسيت «بروتوكول» المشي إلى الصلاة من حيث السكينة والوقار وكراهة العجلة والجري إليها. هل تعلم أنك في حكم المصلي منذ أن تنوي القيام بها بدليل حديث مسلم (..فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة، فهو في صلاة) فكيف تركض وأنت في صلاة وتلقي بنعالك كيفما اتفق؟!

شخصياً، شاهدت الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- وهو يلقي بأحذية المصلين الذين يخلعونها أمام باب مسجده، ربما من باب إماطة الأذى عن الطريق. وهي بالفعل أذى على طريق الخارج والداخل إلى بيوت الله. لعلكم، مثلي، قد شاهدتم العديد ممن يتعثر فيها من الأطفال والمسنين وغيرهم. المشهد المؤلم الذي ربما شاهدناه بأنفسنا مراراً هو إغلاق طريق عربة المقعدين والمسنين. لقد وقفت بنفسي أمام مشهد رجل يدفع عربة مسن إلى باب المسجد المرتفع، غير أن طريق العربة مقفل بالأحذية، فما كان من المسن إلا أن دفع الأحذية بعصاه يمنة ويسرة، الأمر الذي أخلّ بتوازن العربة حتى كاد أن يسقط منها وهرع الناس لمساعدته لكون الممر صغيراً ومرتفعاً.

الكثير يؤمن بثواب إماطة الطريق لدرجة أنه قد يوقف سيارته وينزل، مشكورا مأجورا، لإزالة ما على طريق الناس، ثم إذا جاء إلى المسجد ألقى بحذائه في طريق الناس في تصرف متناقض تقف عنده في عجب لا ينقضي.

من ناحية صحية فإن وضع الأحذية بتلك الطريقة العشوائية أمام الأبواب كافٍ لنقل الجراثيم والأوبئة إلى المساجد والمنازل، حين يطأ الناس موضعها أثناء دخولهم إلى المساجد وعودتهم إلى المنازل.

الأمر لا يتعلق بأذى وضع الأحذية على الطريق فحسب، بل هو منظر خادش ويعكس صورة غير لائقة عن أجلّ وأقدس الأماكن التي يفترض أن يحرص المسلم على نظامها ونظافتها.

لا شك أن ممارسة التنظيم واحترامه يأتيان من أركان ثلاثة؛ البيت، والمدرسة والمجتمع، تدعمها نفس تشع بهاء وأناقة يستهويها الجمال والنظام، وتتقزز من قبح الفوضى والهمجية. كم أحترم أولئك الذين ينعمون بالسلوكيات الإيجابية التي ربما نراها صغيرة جداً لكنها تعكس الإحساس بالجمال والتنظيم والنظافة.

بعض المساجد قد لا تتوفر فيها رفوف لوضع الأحذية، وهذا يدعونا إلى فكرة أن تأخذ الجهات المعنية في الحسبان عند تصميم المساجد الجديدة، مسألة إيجاد أماكن مخصصة للأحذية ضمن الاشتراطات الهندسية.

ختاماً، أخي المصلي: أمط الأذى عن الطريق بوضع حذائك في مكانه، فإن بيوت الله مسؤولية الجميع، وليس من المسؤولية أن تؤذي غيرك لتلحق بالركعة فأنت في صلاة ما دمت قد عمدت إلى الصلاة.