ضاق الطالب الجامعي الجديد محمد، ذرعا بمادة الإنجليزي التي شكلت عقبة كبرى في طريقه، وكادت تجهض حلمه في أن يكون طالبا بجامعة البترول والمعادن بالظهران، كتب معاناته في موقع الجامعة ليخفف عن نفسه وطأة الحزن العميق الذي يشعر به، كانت أفضل توقعاته أن يجد المواساة من الزملاء الذين يعيشون تجارب مماثلة، لكن لم يدر بخلده للحظة أن يكون أول من يرد عليه هو مدير الجامعة نفسه..!!

واختل توازنه وهو يحاول أن يستوعب أن مدير الجامعة يدعوه للقاء عاجل في مكتبه من الغد بعد صلاة الظهر مباشرة.

لم يكن محمد ذا حظ عظيم حتى يحظى بهذا الاهتمام الشخصي من الدكتور خالد السلطان، لكن حظه يكمن في أنه كان واحدا من جمع غفير سعدوا بصحبة هذا المواطن السعودي العظيم، ونهلوا من معين تواضعه الفريد، ونعموا بجمال روحه، وألق فكره المستنير.

سنتعب في هذا المقال ونحن نعدد إنجازات هذه القامة السعودية الباسقة.. هو صاحب فكرة وادي الظهران للتقنية التي نشأت عام 2006، وهي إن كانت فكرة عالمية، إلا أنه أول من أدخلها السعودية والخليج.. وكإحدى الجامعات القليلة جدا على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. (وفكرتها إنشاء تجمع في حرم الجامعة يضمن الشركات الكبرى العاملة في صناع النفط والغاز ويكون بينها وبين الجامعة علاقة تقود إلى نشأة ابتكارات بالتعاون بين طالب باحث وبين شركة ممولة تجد في البحث فرصة لها).

وهو مؤسس منظومة للابتكار، مانحا بذلك جامعته قفزة حقيقية تجلت في حصول الجامعة عام 2018 على المركز الخامس في براءات الاختراع الممنوحة (800 براءة اختراع).

وهو صاحب فكرة (وقف الجامعة) التي بلغت محافظها الاستثمارية 3 مليارات. وهو صاحب فكرة (المجلس الاستشاري الدولي) التي أتاحت للجامعة احتكاكا مباشرا مع أهم قادة القطاع الأكاديمي والصناعي المتقدم عالميا.

وكانت آخر هدايا الدكتور للفتاة السعودية هو قرار إتاحة الفرصة للطالبات للاستفادة من برامج الجامعة، حيث ستدخل المواطنة السعودية طالبة للمرة الأولى في تاريخ الجامعة ضمن برامج للدراسات العليا عام 2019.

لم تكن هذه أكبر إنجازات الدكتور على ضخامتها، بل إن أكبر إنجازاته من وجهة نظري هي بيادر الحب التي زرعها في أرواح طلاب الجامعة وهو يمهد لهم دروبهم الوعرة بكفيه، ويبسط لهم جناح الرفق والرحمة والإنسانية، إيمانا منه أن كل شاب سعودي هو أمل واعد للوطن يستحق أن نمنحه مصباح الأمل كلما جن عليه ليل المصاعب والمتاعب والتحديات.

معالي الدكتور خالد السلطان، لم لا يحصد الحب وهو يحفظ أسماء الطباخين ورجال الأمن في الجامعة ويبادلهم التحايا والمشاعر. يعرف من يسكن كل بيت من بيوت جامعته الأثيرة، ويضيف كل يوم على حديقتها شجرة من صبر ونخلة من عطاء ووردة من حلم، راميا في الفضاء بساطا أخضر لا ينتهي من الرؤى والأحلام.

غادر الدكتور جامعته الأثيرة ليصبح رئيسا لمدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية، مواصلا نجاحاته الباهرة وعطاءاته المتدفقة لوطنه كفارس ترجل عن جواد ليمتطي آخر، وسيفه ما زال مُشهَرا وعيناه ما زالتا معلقتين بأهداب الوطن.