قبل سنوات كنت أحاول إقناع البعض، ومنهم مسؤولون في المملكة للأسف، أن ينتقلوا للعصر الجديد في الطب، الجيل الجديد من الخدمات الصحية وهو جيل التكنولوجيا والطب، فقد صارت لدي قناعة مما يقارب عدة سنوات أن التقدم في الطب مستقبلا سيتمحور حول ثلاثة أشياء أو مثلث الصحة المستقبلي:

التكنولوجيا الحيوية وما يندرج معها، خصوصا الطب التجديدي، كصناعة الأعضاء والخلايا الجذعية والعلاج الجيني والشخصي. الذكاء الصناعي وما يندرج معه من تقنيات إلكترونية مثل التطبيقات الإلكترونية الطبية والأجهزة الملبوسة على الجسم. أما الثالث فهو الروبوتات ودخولها وتطبيقاتها الصحية والطبية.

هذه الأضلاع الثلاثة ستسد وستصلح كثيرا من المشاكل الصحية الحالية، مثل نقص الأسرة ونقص القوى العاملة، فالروبوتات ستعتني وستقوم بأجزاء عديدة من أعمال الطاقم التمريضي والطبي، الذكاء الصناعي سيتحكم بالمستشفيات وسيكون المشغل والعقل والمدبر لها. النقص في الأطباء قد يسد بشكل كبير من خلال الاستشارات والتطبيقات، بل من الممكن أن يكون هناك تشخيص عابر للحدود، طبيبك المختص في أميركا والمريض وهو جالس في بيته في الشرق الأوسط من خلال تطبيقات معينة، وسينهي انتظار أسابيع للسفر أو زيارة الطبيب.

كان تركيزي الأكبر خلال السنين الماضية على ضلعين الذكاء الصناعي والروبوتات، لأن الضلع الأول التقنية الحيوية والطب التجديدي هي مجال تخصصي، فمنطقيا على اطلاع دائما عليه.

مناسبة هذا الحديث هو كلام معالي وزير الاتصالات السعودي (أن الجيل القادم في قطاع الصحة هو استخدام الذكاء الصناعي من خلال استخدام الروبوت في الرعاية الصحية)!

صار لنا سنون نتكلم مع بعض المسؤولين الآخرين بخصوص هذا الموضوع، والبعض كان يقول إن هذا ليس من اهتماماتنا، والآخر يقول ليس هذا الوقت المناسب! للحق استمررنا على خططنا وركزنا على تقنية الذكاء الصناعي والروبوتات وثمارها سنقطفها قريبا إن شاء الله.

وكنا نتوقع أن ما حدث للخلايا الجذعية سيحصل لاحقا أي سيناريو الرفض في البداية، ومن ثم بعد أن ينتشر الموضوع في العالم سيلحق ربعنا بالموجة (كالعادة!) ويتحول بقدرة قادر إلى أولوية.

طبيعة المجتمع عندنا ترفض كل جديد، وهذا ربما من ترسبات العقل الباطني للصحوة التي أثرت على كل المجالات الأخرى حتى العلمية والعملية والطبية، فالصحوة كانت تنظر بمنظار الشك والريبة لكل جديد، من التلفزيون للاتصالات حتى جوال أبو كاميرا!

لكن تستغرب أنه حتى المتعلمين من بعض المسؤولين عنده رفض غريب لكل جديد ولا يحب الصدارة، للتوضيح نتكلم عن مسؤولين من جهات أخرى خارج وزارة الاتصالات، والموضوع قديم حتى قبل تعيين المهندس عبدالله السواحة. وحتى وزارة الاتصالات لدينا نعتقد أن أداءها ينقصه الكثير، لكن هذا موضوع آخر لا داعي لفتحه في هذا المقال.

دعوني أتصور سيناريو خياليا أدى إلى اقتناع البعض بجدوى الذكاء الصناعي والروبوتات. جاء مستشارون شقر بعيون زرقاء من بعض الشركات الاستشارية التي تداوم في بعض الوزارات أكثر من بعض موظفيها، وأعطوا عروضا تقديمية (برزنتيشن) عن أهمية الذكاء الصناعي والروبوتات، وأنه مهم وأنه المستقبل والعالم يتبناه الخ... وربعنا سمعوا ورأوا الكلام عنه بأكثر من مؤتمر ومحاضرة، فاقتنع الجمع.

قد يزعل بعض المسؤولين، ولكن وددنا أن نعرف السبب في أن بعضهم لا يقتنع بأي مشروع، إلا إذا قيل له إن أحدا آخر في المنطقة تبناه، لماذا لا يحب الصدارة! صارت كلمة السر لبعض المستشارين في الشركات الاستشارية الدولية عندما يريدون أن يقنعوا المسؤول بشيء يقولون المكان الفلاني في المنطقة تبناه! أين الإبداع والأفكار الخلاقة الجديدة، بل الأدهى والأمر تجد بعض المسؤولين يقول: وش معنى نحن أول ناس تعرضونه علينا؟! نظرة الريبة والخوف من التجديد معشعشة في أفكاره!

نحن سعداء جدا بدخول الذكاء الصناعي والروبوتات للمجال الصحي في المملكة، لأنه ما نطالب به منذ سنوات، لكن سؤالنا لماذا التأخير؟ ولماذا نتأخر عن الركب العالمي، وننتظر حتى تتبناه الدول الأخرى حتى نفعل ذلك؟.

نظرتنا كسعوديين يجب أن نكون في الصدارة وسباقين لكل جديد مفيد. ما نخشاه أن تأتي أفكار جديدة أخرى، وأن يحدث لها ما حدث من تأخير وتعطيل.

أكون صريحا، نحن تعودنا على ردود المسؤولين المعلبة، ومنذ سنوات ونحن نضع خططنا بناء على توفيق الله أولا وأخيرا، ثم قدرتنا الذاتية، وللأسف نضع بعض المسؤولين كعامل معطل وليس مساندا لذلك.

الحمد لله أمورنا تتيسر وخططنا تتقدم، تعودنا عليهم، لكن ما أخشاه هو الجيل الجديد من الشباب القادم من الابتعاث والمليء بالأمل والحيوية والأفكار الجديدة، نخاف عليهم من الصدمات وردود بعض المسؤولين، خصوصا أنهم هم الكنز الحقيقي للمستقبل.

يجب أن تحذف عبارات (لماذا نحن الأول، وهل تم استخدامه من قبل بعض جيراننا في المنطقة). يجب أن يكون طموح السعودي عنان السماء، ويجب أن يعتادوا على الصدارة والسبق.