أثارت القمة التي انعقدت بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، وهي الأولى من نوعها، في شرم الشيخ في مصر، آمالاً بانطلاقة جديدة من التعاون بين المنطقتَين. وجسّدت القمة محاولةً مثيرة للإعجاب يبذلها الاتحاد الأوروبي لتحسين سياسته الشرق أوسطية، عبر الانخراط مع المنطقة العربية ككل، وهو أمرٌ تسعى إليه جامعة الدول العربية بإلحاح منذ فترة طويلة. إنما من غير المرجّح أن تظهر شراكةٌ أقوى وأكثر جوهرية بين أوروبا والعالم العربي في أعقاب هذه القمة.

يبدو الاتحاد الأوروبي مهمَّشاً بصورة مطردة في الجهود الهادفة إلى تسوية النزاع السوري، وبالتالي في المعطيات الجيوسياسية الأوسع في المنطقة. وليس واضحاً أن التزام القمة بتوطيد التعاون في السياسة الخارجية ستكون له مساهمة كبيرة في تغيير هذا الوضع. ففيما تتهيّأ الولايات المتحدة للانسحاب من سورية، لا تبدو الحكومات الأوروبية مستعدّة أو قادرة على التقدّم لملء الفراغ. وكانت قمة شرم الشيخ في الواقع محاولة لوقف التباعد الأخير بين أوروبا، من جهة، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من جهة أخرى.

شدّد الاتحاد الأوروبي، خلال القمة، على أهمية الهيئات العابرة الإقليمية، ووضع إستراتيجية تتعاطى مع الشرق الأوسط بصورة متكاملة لا مجزّأة. بيد أن معظم عناصر السياسة التي ينتهجها الاتحاد انكفأت عن الهدف المتمثّل بالعمل على تنفيذ خطط إقليمية كبرى. فمعظم الجوانب العملية لإستراتيجية الاتحاد الأوروبي تُنفَّذ من خلال ما يُسمّى بسياسة «الجوار» والاتحاد من أجل المتوسط، اللذين فصلا المغرب والمشرق العربيَّين عن باقي أجزاء المنطقة.

فضلاً عن ذلك، ركّز الاتحاد الأوروبي بصورة مطّردة على العلاقات مع الدول على حدة، مع تعمُّق التشظي الجيوسياسي الإقليمي في مختلف أرجاء الشرق الأوسط. الآن يُركّز الاتحاد الأوروبي على دول عربية معيّنة، وعلى مسائل في السياسات، مثل ضبط الهجرة والتعاون الأمني، بما يتماشى مع مصالحه الأكثر إلحاحاً.

يسود انطباع بأن علاقات الاتحاد الأوروبي مع الدول العربية تراجعت في الأعوام الأخيرة. على سبيل المثال، قطعت بلدانٌ عدّة منضوية في الشراكة الشرقية للاتحاد الأوروبي أشواطاً متقدّمة في تطبيق اتفاقات بعيدة المدى في مجال التجارة الحرة، حتى أنها تضغط لتنفيذ خطوات مقبلة ممكنة مثل الانضمام إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية. على النقيض تراجعت آفاق تحقيق اندماج عميق أو «وحدة قيَم» ذات جدوى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وحلّت مكانها مقاربة أكثر محدودية تستند بصورة أكبر إلى الصفقات للتعاون مع الاتحاد الأوروبي.



يصعب أن نرى كيف يمكن أن تساهم نتائج القمة في إحداث تغيير كبير في هذه المعطيات. وليس واضحاً أيضاً كيف يمكن أن تجد القمة وما سيليها مكاناً في الأحجية المعقّدة للمبادرات الدبلوماسية الأخرى. ويبدو، على وجه التحديد أن القمة تحجز لنفسها مقعداً غير مريح إلى جانب القمة العالمية عن الشرق الأوسط، التي انعقدت بقيادة الولايات المتحدة في بولندا في وقت سابق من الشهر الماضي، والتي اندرجت في إطار الجهود التي تبذلها واشنطن لتشكيل تحالف إقليمي ضد إيران. وبغية تحقيق هذا الهدف، عملت الولايات المتحدة على تطوير تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي، عبر عرض الدعم الأمني على الأنظمة العربية.

مما لا شك فيه أن المقاربة المعروفة التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي تستند بصورة أكبر إلى الحوار مع إيران، وخصوصاً إلى مواصلة العمل بالاتفاق النووي مع النظام الإيراني. بيد أن القمة لم تتطرق بوضوح إلى سبل دمج هذه المسألة التي تُعتبَر أولويةً للاتحاد الأوروبي، مع هدف بناء شراكة أعمق مع جامعة الدول العربية، بما يمنح هذه الأخيرة دوراً فعلياً في تحديد جدول الأعمال.



قد يقرر الاتحاد الأوروبي أن بصمته المتمايزة في المنطقة تتمثّل بعدم حصر تعاونه مع الحكومات فقط، بل جَعل هذا التعاون يمتد أيضاً إلى الأفرقاء المدنيين الذين قادوا الربيع العربي. لقد تراجعت الولايات المتحدة عن دعم إصلاحات الحوكمة، وتعمل روسيا علناً لمنع الاختراقات الديمقراطية. وتُظهر استطلاعات الرأي أن معظم العرب لا زالوا يريدون حكومات أكثر خضوعاً إلى المساءلة، على الرغم من فشل الثورات العربية قبل ثمانية أعوام في دفع عجلة الديمقراطية نحو الأمام في الشرق الأوسط. بيد أن الاتحاد الأوروبي تخلى عن التركيز على الديمقراطية وحقوق الإنسان، واتّجه نحو مقاربة أكثر عمليةً قائمة على السياسة الواقعية.

والقمة مع الجامعة العربية، التي استضافتها مصر التي تزداد سلطوية، كانت شاهداً على هذه النزعة. فقد تطرقت إلى مسألتَي الأمن والهجرة، لكنها تركت جانباً القضايا الحسّاسة للإصلاح السياسي.

يُقحِم ذلك كله الاتحاد الأوروبي في حالة من الالتباس المحرج، فهو لا يُقدّم للعالم العربي نفوذاً حقيقياً متمحوراً حول الشعب، كما أنه عاجز عن التنافس مع النفوذ الجيوسياسي الصلب للولايات المتحدة وروسيا.


ريتشارد يونغز

* خبير في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.

* مركز كارنيجي للسلام الدولي