في 22 فبراير الماضي خرج الجزائريون في حراك شعبي سلمي للاعتراض على ترشح الرئيس بوتفليقة لعهد خامس يمتد خمس سنوات مقبلة يضيفها الثمانيني المقعد إلى السنوات العشرين لتربعه على سدة الحكم، ذلك الرئيس الذي لم يتحدث إلى شعبه منذ خمس سنوات على الأقل، له تاريخ طويل وممتد من العمل السياسي الجاد، الذي لم يخلُ من مشكلات لاحقته حتى وهو خارج البلاد في شبه هروب في أوائل الثمانينات الميلادية.

الجزائر التي تعد إحدى أغنى بلدان العالم بالنفط ترسف تحت طائلة البطالة وغائلة الفقر، إضافة إلى ضعف اقتصادي عام بسبب استشراء الفساد، الذي لم تساعد البرامج الحكومية التي وضعها بوتفليقة في الحد منه.

دخل بوتفليقة المنافسة الرئاسية في ديسمبر 1998 كمرشح حر، وقبل إجراء الانتخابات انسحب جميع المرشحين أمامه، بحجة دعم الجيش لـ(بوتفليقة)، ونية التزوير الواضحة، ليبقى هو المرشح الوحيد للانتخابات. ونجح في الانتخابات وصار رئيسا للجزائر في أبريل 1999، ووصفته الأوساط السياسية حينها بالرئيس المستورد، وأعيد انتخابه لفترة ثانية في أبريل 2004، وفي أبريل 2009 استطاع تحقيق فوز كاسح بالانتخابات التي سمح تعديل الدستور لبوتفليقة بفرصة الترشح لعهدة رئاسية ثالثة بعد أن حدد النص السابق للدستور عدد العهدات باثنتين فقط، ثم أعلن نيته للترشح لولاية رابعة في خضم معارضات واحتجاجات متفرقة منددة بذلك، ومع ذلك فاز بعهد رئاسي رابع في أبريل 2014، وبالأغلبية من مجمل الأصوات، حيث كشفت نتائج الانتخابات تفوقه، بالرغم من حالته الصحية التي ظهر بها عند دخوله مركز الاقتراع وكذلك عند أدائه القسم، وفي 11 فبراير 2019 أعلن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ترشحه رسميا لفترة رئاسية خامسة في الانتخابات التي ستجري في أبريل 2019، مما أثار سخطا عاما أدى إلى نزول الناس إلى الشارع في تظاهرة سلمية منددة بإعلان بوتفليقة هذا، ومطالبة إياه بالتراجع عن إعلانه، وانسحابه من الانتخابات، وبالفعل استجاب الرئيس بوتفليقة لبعض هذه المطالب، فأجَّل الانتخابات الرئاسية لعام 2019 والتي من المفترض أن تجري في أبريل المقبل، لمدة عام، وأعلن أيضا أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.

وقد يرى المراقب وجه شبه من زاوية بين ما يفعله بوتفليقة الآن، وبين ما فعله الداهية علي عبدالله صالح في آخر حياته، من مماطلات في شأن تسليم الحكم في اليمن، وما قام به بوتفليقة باختصار، هو تمديد فترة رئاسته لما بعد الاستحقاق الرئاسي في أبريل 2019، ولمدة عام كامل وقد تمتد لأزيد من ذلك، وهذا لا يفهم منه إلا أنه دمج للعهدتين الرابعة والخامسة، وفي ظني أنه كان خيرا لبوتفليقة وتاريخه ألف مرة الاستمرار في الترشح لعهد خامس من الالتفاف بهذه الطريقة على الترشح للرئاسة لو صدقت الظنون، ومن المعلوم بداهة أن خطة بوتفليقة لحل المشكلة وقعت في مشكلة أكبر تمثل مأزقا حقيقيا للسياسة الجزائرية، وهو اصطدامها بالدستور، لأن التأجيل بكل بساطة لا يجيزه الدستور إلا في الحالات الاستثنائية مثل الأخطار التي تهدد البلاد واستقلاله وسلامة أراضيه، والوضع في الجزائر اليوم لا يوحي بهذا أبدا حتى مع استمرار المظاهرات، التي أشاد بوتفليقة نفسه بسلميتها، وتحضرها.

المحبط في الأمر للإدارة الجزائرية الحالية أن الاستنجاد بالدبلوماسي المخضرم الأخضر الإبراهيمي، المقيم في فرنسا، للإشراف على (الندوة الوطنية) التي أعلن بوتفليقة عنها وحدد لها موعدا قبل نهاية العام الحالي، لإعداد دستور جديد يُعرض للاستفتاء، ولتحديد تاريخ انتخابات رئاسية جديدة، لم يكن كافيا للخروج من حنق الاحتجاجات الشعبية الرافضة للعهدة الخامسة، إذ عاد الجزائريون للتظاهر بعد ساعات قليلة من إعلان الرئيس التأجيل وعدم الترشح، إضافة إلى إصلاحات خمسة أخرى، واعتبر المتظاهرون أن هذه القرارات تمديد لحكم بوتفليقة لا تأجيل.

إعلان بوتفليقة جاء بلهجة تشبه التوسل، وفي التفاف واضح على المطلب الرئيس لدى الشارع بعدم استمراره في مرحلة ما بعد 18 أبريل، وجاءت الوعود التي حملها الإعلان متأخرة، لأن البلد بحاجة إلى إصلاحات عميقة، ومن زمن طويل يقدر بمدة حكم بوتفليقة كاملة، بسبب تفشي الفساد والركود الاقتصادي الذي أصاب البلد في مختلف المجالات، وكل ما يقال عن البرامج الإصلاحية أو الإنجازات المحققة طيلة السنوات التي قضاها بوتفليقة على رأس السلطة ما هو إلا نفخ فيها وتكبير وتكثير لتصبح مكتسبات متوهمة يجب الحفاظ عليها، وعدم التفريط بها بزعزعة الأمن وإثارة القلاقل، ويعد تعهد الرئيس بوتفليقة في إعلانه الأخير بالتزامات تعتبر مطلبا أساسيا للمعارضة الجزائرية مثل: تشكيل هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، وإعداد دستور جديد للبلاد يضمن الحقوق الفردية والجماعية، ويؤسس لنظام حكم عادل ومراجعة قانون الانتخابات، من قسيم الاعتراف بالإخفاق ضمنا طيلة 20 عاما في سدة الحكم، والأولى في هذه الحالة ألا يُقبل ترشيح بوتفليقة نفسه للرئاسة مرة أخرى بأي سبيل كان، علما أن المتوقع والحال هذه أن مصير هذه الالتزامات الإهمال، والأدراج المغبرة، بعد تحقيق المراد.

على كلٍّ، هذا أنات من الجزائر، ستتلاشى حتما في أي حال يشابه ربيع الجمهوريات العربية الثورية الاشتراكية العظمى منها والعادية، ليبقى المطلب الملح والضروري مهما كان الرأي في الإدارة الحالية التركيز على صلابة وثبات مؤسسة الحكم الجزائرية، استبعادا لحصول تجاوزات أو انهيار للسلطات مهما كان، ويمكن للجزائريين أن يتفاهموا للوصول إلى صيغة ما للانتقال السياسي.

أما الآهات التي على الجزائر، فتبقى من الفصيل الذي يراقب بأعين القطط، حتى يقتنص فريسته في غفلة منه، وهم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، السرطان الذي لن يتعافى منه العالم العربي سريعا وبسهولة.

يحاول إخونج الجزائر عبر حركة مجتمع السلم (حمس) الاستحواذ على السلطة بترشح زعيمه عبدالرزاق مقري صاحب مبادرة التوافق الوطني الجزائري، والذي أطلقها من إسطنبول، في ندوة كانت تدور حول الوضع السياسي في الجزائر، وكان اتجاه المقري لطرح مبادرته في (مركز علاقات تركيا والعالم الإسلامي) جاء بعد فشل مبادرته التي طالب بها الجيش بالتدخل في الانتخابات المقبلة (موقع كيوبوست).

مقري معروف بمواقفه المناهضة للسعودية والإمارات، وكان له عدد من التصريحات والكتابات التي تتهجم على الرياض وأبوظبي، وتدافع عن الدوحة، بشكل يكشف عن علاقة قوية تربطه بقطر، ويشير مقري إلى أن تهمة دعم الإرهاب لقطر هي مجرد «تعلّة لتبرير ما لا يبرر...» على حد وصفه، ويقول الخبير الأمني المهتم بنشاط الجماعات الإسلامية علي زاوي: إن علاقات قوية تربط عبدالرزاق مقري بقطر وتركيا، رغم محاولاته نفي ذلك..، ويتابع قائلا: «إن مقري يحاول الهروب من حقيقة الدعم الذي تقدمه الدوحة لحركته عبر التحرك داخل تركيا» (موقع كيوبوست).

أخيرا، إن سلمت الجزائر من إخطبوط الإخونج، وتجاوز عنق الأزمة في موضوع الرئاسة، وتولى الحكم فيها الصالحون، فإنها ستكون إضافة قوية جدا لأخواتها في العالم العربي، الذي يروم التخلص من الخطرين الداهمين الإخونجية وذيولها، والصفوية وعملائها.