متعب الزبيلي



قائد المدرسة هو إما مصدر إشعال حماس، أو مصدر تحطيم معنويات.

هناك من هو عامل رئيسي للهدوء، يهتم بحضور وتوقيع المعلمين وانصرافهم، يرى وقوفه خلال طابور الصباح إنجازا، يحركه الحدث والمجريات، وهي من تؤدي به إلى حيث الأنظمة والتعليمات.

بمعنى أوضح، حين يشاهد أحد الطلاب لم يحلق رأسه، محرك الاكتشاف لديه هو عدم حلق الطالب رأسه، أحد المعلمين في المدرسة لديه همة وطموح ومجتهد وساع إلى التفوق، وبمجرد مشاهدته اثنين من زملائه المعلمين يتحدثان -رغم إعلان بداية الدرس- ينتقد داخله تصرفهما، وتتبخر طموحاته حين يأتي قائد المدرسة ويصبح مشاركا لهما في الحديث، وحتى إن كان حديثهم حول المنظومة التعليمية، إلا أنه من باب أولى أن يتوجه كل منهما إلى فصله، هكذا يصبح المنتظم رقما إضافيا لغير المنتظمين.

الوقوف أمام الطلاب في الطابور الصباحي، إما أنه مجرد نظرات إلى المدخل، وانتظار مبنيّ على توقع قدوم مسؤولي التعليم، أو نظرات فاحصة للوجوه والملامح ونوع وشكل الملبس، وإمساك بهدوء ودون أن يشعر حتى المعلمين من قبل قائد مدرسي ناجح ينأى بنفسه عن أن يكون أداة تحطيم ونفور، يرفع من معنويات هذا الطالب، ويمسح على رأس ذاك، شتان بين من يمر باسم طالب أو يكون اسم والد الطالب مثلا سيئا، وبفطنته يتجاوز كل جزئية يخشى أن تكون موجعة للآخرين، وبين قائد مدرسي بما أنه لا ذنب له بسوء اسم الطالب، فهو إذًا من حقه أن يصدح بالاسم وبصوت مرتفع، إضافة إلى ابتسامة كتشجيع منه لمن أراد من الطلاب أن يكتسح طموح آخر لا ذنب له بسوء اسمه أو اسم والده.

وما ذلكما إلا مثالين ليسا بحاجة إلى نُظم وتعليمات، ولكن يدركهما القائد المدرسي الناجح، صاحب المساعي للرقي بالمعلم والطالب، الذي يصل إلى الأحداث ويتعامل مع المجريات بناء على الأنظمة والتعليمات، منذ يجد معلم وزميله يتحدثان معا غير مبالين بتنبيه الجرس وبداية الدرس، يتعامل معهما بمقتضى نظام رسمي، وبعيدا عن نظام الميانة «والشرهة».

نعم، قائد المدرسة هو الشرارة التي تشعل الحماس والطموح وعشق المركز الأول، الكلمة مهما تكون لائقة إلا أنها تبقى مرتبطة بكيفية الطرح أمام الآخرين، فمرحبا حين تصحبها ملامح غضب تبقى مجرد كلمة تفتقد تماما معناها الحقيقي، وتتحول إلى لا مرحبا، بكلمة يمكن أن تجعل من معلم مهمل وفاشل مثالا للمعلم الناجح، وبكلمة أيضا يمكن أن تقتل إبداع طالب وتحطم معنوياته ولن يكون مهما، إننا لا نقصد، فالأهم أن نوصل كلامنا بالطريقة التي نجدها تناسب الذي أمامنا.

هناك قائد مدرسة يقضي يومه في مكتبه، وبذلك هو حسب التعليمات يعدّ ملتزما بالواجب المناط به، ويخرج على أصوات وعراك، مثلا بسبب دخول ولي أمر إلى المدرسة وتوجهه مباشرة إلى الصف الذي يدرس فيه الابن، واعتدائه على المعلم وتسببه له بكدمات، من هنا نكتشف الفرق بين العمل بالأنظمة كدرء، وبين أن نعمل بالأنظمة كإجراء، فحين تكون الأنظمة إجراءً معمولا به، نحن توقعنا واستبقنا الحدث وأغلقنا مسبقا الباب في وجه المعتدي، فالوجود في المكتب من غير تطبيق الأنظمة كافة هو مجرد وجود، والأحداث تبقى همزة الوصل بيننا وبين العودة إلى الأنظمة وتطبيقها، لا تقل لم أختر أن أكون قائد مدرسة، ولكن لا تَسْعَ إلى أن تكون اختيارا إلا حين تجد فيك قائدا مدرسيا مؤهلا بما تعنيه الكلمة.