أتناول اليوم شرح المرحلة الأخيرة من مراحل الإدارة الإستراتيجية.

تدور هذه المرحلة وفق عدد من المعطيات، ولكن أولاً سوف نشرح ماهية الرقابة الإستراتيجية، وما الفرق بينها وبين مستويات الرقابات الإدارية الأخرى.

الرقابة كما يعرّفها كيرتو هي (نشاط منتظم تهدف الإدارة من خلاله إلى جعل الخطط والأنشطة تنسجم مع التوقعات والمعايير المستهدفة، ولذلك فإنها إذاً عبارة عن عمليات مستمرة لقياس الأداء واتخاذ الإجراءات الكفيلة لضمان النتائج المرغوبة، وفي حالة وجود انحرافات فإن النظام الرقابي يؤشر أسباب هذه الانحرافات ويعطي الإجراءات اللازمة للتصحيح).

وتنقسم مستويات الرقابة إلى ثلاثة مستويات.

الأول: الرقابة الإستراتيجية، وهي تلك الرقابة التي تمارسها القيادة العليا في المنظمة، والتي في إطارها يتم التركيز على فاعلية المنظمة بشكلها العام. ولذلك فإن الهدف العام من هذه الرقابة هو ضمان سير العمل تجاه الأهداف الإستراتيجية الموضوعة في المنظمة.

الثاني: الرقابة التكتيكية، وهي التي تهتم بكيفية إنجاز الجوانب المرتبطة بالتخطيط على مستوى الإدارة الوسطى في المنظمة، ومهمتها الأساسية هي الوصول إلى الغايات المراد تحقيقها، في إطار توزيع الأدوار والصلاحيات والمسؤوليات في إطار الهياكل الوظيفية المتعددة ووظائفها المرتبطة بها.

الثالث: الرقابة التشغيلية. وهي تلك الرقابة الأشد متابعة للإجراءات التفصيلية في حدود العمليات التشغيلية الدنيا في المنظمة، ويمارس هذه الرقابة مديرو الإدارات المباشرة على عمليات التخطيط الذي لا يتعدى العام الواحد، مثل عمليات الرقابة المالية، والرقابة الوظيفية وغيرها.

وعليه إذاً، فإن الرقابة الإستراتيجية تعتبر أهم جزء من أجزاء الرقابات الإدارية المتعددة. ولذلك فإن فلسفة الرقابة الإستراتيجية تختلف عن فلسفة الرقابة العامة لا من ناحية الأسلوب ولا من ناحية طريقة العمل، وذلك لعدد من الأسباب: منها، أن نتائج الرقابة الإستراتيجية لا تظهر في الأمد القصير. أيضاً فإن عمليات تطبيق الرقابة التقليدية تميل إلى التركيز على معيار واحد لقياس الأداء أو معايير محدودة، بينما الرقابة الإستراتيجية تقوم على التركيز على معايير متعددة وطويلة الأمد. أضف لذلك أن النماذج التقليدية للرقابة لم تعد صالحة للرقابة الإستراتيجية في بيئة الأعمال المعقدة حالياً، والتي تنطوي بشكل شبه دائم على حالات عدم التأكد واليقين.

إذاً، فإن الرقابة الإستراتيجية تعد الرأس الذي يقود جسد الرقابة في المنظمة كاملة. وعليه فإن هذا الجسد لا بد وأن يتأثر أحياناً بالتغييرات الطارئة، ولذا يتوجب عليه أن يكون متيقظاً ومُستَفزاً بشكل دائم، وأن يجعل ما يسمى بنظام التغذية الأمامية هو النظام الأساسي القائم عليه. وهذا النظام يقوم على عدد من الأسس:

1. إحكام الرقابة على المقدمات المنطقية للإستراتيجية: بمعنى أن تتأكد الإدارة العليا من أن الافتراضات الأساسية والمقدمات المنطقية الداعمة لعمليات التخطيط هي مقدمات صحيحة وغير مغلوطة.

2. الرقابة أثناء التنفيذ: تقييم الأحداث والعوامل المهمة ذات الأثر الكبير أثناء المباشرة بالتنفيذ، وسد الفجوات التي قد تحصل بين الصياغة والتنفيذ.

3. الإشراف الإستراتيجي: الإشراف العام على كامل الإستراتيجية بدءاً من التحليل وحتى قياس مؤشرات الأداء لكل أجزاء المنظمة. وهي عملية دائمة ومستمرة وتأخذ الطابع الشمولي.

4. الرقابة على الأحداث والمواقف الطارئة: هناك جزء رقابي داخل الإستراتيجية تكون مهمته الرقابة على الأحداث المفاجئة ورصدها وتحليل آثارها على المنظمة كاملة. ووضع الخطط للاستجابة السريعة للتعامل مع تلك الأحداث الجوهرية.

وأما آخر جزئية يمكن التركيز عليها، فإنه لا بد لكل مراقب إستراتيجي أن يضع في اعتباره أن للرقابة الفعالة شروطا أساسية لا بد من الأخذ بها. أولها أن التركيز في النظام الرقابي لا بد وأن يكون على القضايا الحيوية والأساسية، بغض النظر عن صعوبة إيجاد المعايير التي يمكن أن تقاس بها تلك الأعمال. أيضاً، من الضروري أن يزود المراقب الإستراتيجي أصحاب القرار بالمعلومات المطلوبة فور وصولها، ولا ينتظر حتى يفوت الأمر على اتخاذ القرارات المضادة. الأمر الثالث الذي يجب أن يوضع في اعتبار كل مراقب إستراتيجي، هو أن كثرة المعلومات أحياناً قد لا تهم صاحب القرار بقدر ما تهمه المعلومة المركز والمفيدة التي تعطيه القدرة على تحديد الموقف الحالي واتخاذ الإجراء حياله. وأخيراً، يجب أن تكون مؤشرات الرقابة الإستراتيجية مرتبطة ومنسجمة تماماً مع جوانب الأداء المتوسطة وقصيرة الأمد في المنظمة.

هذا باختصار واختزال شرح مبسط لكل مراحل الإدارة الإستراتيجية في المنظمات، ولكن يجب أن يضع القارئ في عين اعتباره أن هذه مجرد لمحة بسيطة عن هذا البحر الغزير والمتدفق بالمعلومات والتحديات والمخاطر. ولذلك رأيي دائماً أن إدارة التخطيط الإستراتيجي في كل منظماتنا الحكومية، يجب أن تعطى الأهمية الخاصة. ولي عودة لهذه الجزئية لاحقاً بإذن الله.