«الدروس المكتسبة» هو المصطلح المعهود الذي تستخدمه واشنطن متى أرادت وصف نتائج الاجتماعات الدبلوماسية التي تعقد على مستوى رفيع.

وفي هذا الصدد، دُعيتُ لإدارة إحدى جلسات «المؤتمر الوزاري لتعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط» الذي استضافه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ووزير الخارجية البولندي ياتسيك تشابوتوفيتش في وارسو بين 13 و14 فبراير. وتضمنت تلك الجلسة ثلاثة من كبار المسؤولين العرب، هم وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، ووزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، ووزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، وكشفَت هذه المحادثات وغيرها عن العديد من الدروس المثيرة للاهتمام، وكانت واعدة في العديد من الحالات.

أولا، تميز المؤتمر بمجموعة من التقاربات في وجهات النظر، التي يجدر بإيران التنبه إليها. فقد أقرّ بومبيو منذ بداية الاجتماعات بوجود اختلافات واضحة في الرأي بين المشاركين بشأن بعض القضايا الإقليمية، وحث الجميع على مناقشة هذه الخلافات بشكل صريح وصادق أثناء عملهم على تعزيز مواقفهم المشتركة. وفيما يخص إيران، أعاد الوزراء الأوروبيون التأكيد على أن دولهم لن تنسحب من الاتفاق النووي، ولكنهم تمسكوا مع ذلك بالحاجة إلى التصدي للسلوكيات الإيرانية غير المقبولة، من بينها اختبارات الصواريخ الباليستية والتهديد باتخاذ إجراءات عسكرية في الشرق الأوسط.

ثانيا، شعر الأوروبيون بالقلق من الأخبار المماثلة اللافتة للنظر التي سمعوها من الوزراء العرب عن الأعمال التي وصفت الجهود التي تقوم بها إيران لزعزعة الاستقرار في المنطقة واستغلال النزاعات فيها، سواء عن طريق تهريب الأسلحة إلى البحرين والسعودية، أو استخدام الميليشيات الشيعية لفرض إرادتها على الحكومات، أو تزويد الصواريخ إلى «حزب الله» و«حماس» والحوثيين، أو تشجيع الإرهاب، أو التخريب، أو نشر الصواريخ في قواعد في سورية وغرب العراق، أو إنشاء مصانع لتزويد آلاف الصواريخ بخصائص التوجيه الدقيق في كل من لبنان وسورية. ومبدئيا، فإن الأطراف المتواجدة على الخطوط الأمامية للصراعات في المنطقة أخبرت أصدقاءها الأوروبيين بأن إيران لن تتوقف عن إثارة المشاكل في الخارج ما لم تصبح تكاليفها أكثر حدة. ومن اللافت للنظر أن الوزراء العرب أشاروا إلى أن العقوبات ليست سوى جزء من الحل. فمن وجهة نظرهم، إن تحميل إيران عواقب أفعالها يستلزم أيضا توحيد جهودهم في جبهة معارضة راسخة وجماعية، فضلا عن بذل مزيد من الجهود لإطلاع الرأي العام الإيراني على التكاليف المترتبة عن مغامرات حكومتهم. ثالثا، أظهر المشاركون توافقا في الآراء حول عدة مسائل رئيسية تتعلق بسورية. فقد فضّل الجميع تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي يدعو إلى وقف الأعمال العدائية، وصياغة دستور جديد، وتنفيذ عملية انتقال سياسي على مدى ثمانية عشر شهرا. ولم تكن هناك مفاجأة، لكن ما لفت نظري هو وجود توافق آخر في الآراء، تمثل بتباين المصالح الروسية والإيرانية في سورية، وإمكانية استغلال هذه الخلافات للحد من الوجود الإيراني في البلاد، وربما حتى تطبيق القرار 2254. ولكنني أشك كثيرا في إمكانية توسيع هذه الخلافات في أي وقت قريب، حتى إذا تم صرف النظر عن واقع عدم نية بشار الأسد التنحي من منصبه، وعدم إظهار موسكو أي استعداد لتقليص دعمها له. وطالما يستمر التمرد في سورية، ولو على مستوى متدنٍّ، ستبقى روسيا بحاجة إلى وجود عسكري إيراني/ شيعي على أرض المعركة.

ومع ذلك، لا تصرف هذه الشكوك النظر عن الدروس الأخرى المكتسبة من مؤتمر وارسو. ولكن في النهاية سيبقى الاختبار الحقيقي لهذا المؤتمر فيما إذا كان سيفضي إلى خطوات أوروبية ملموسة تؤدي إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد التدخلات الإيرانية في المنطقة. وقد ناقش المشاركون بعض التدابير لتحقيق هذه الغاية (على سبيل المثال، إدراج «حزب الله» بأكمله كمنظمة إرهابية بدلا من التمييز بين «أجنحته» السياسية والعسكرية)، ولكن لم يتم التوصل إلى أي استنتاجات. يبقى أن نرى ما إذا كانت مجموعات العمل المقترحة في وارسو مستعدة لعقد اجتماع قريبا وإحراز تقدم بشأن القضايا الحساسة. وعلى أي حال، ما لم يبدأ صانعو القرار في إيران بإدراك ثمن تدخل «فيلق القدس» وغيره من الأجهزة في الخارج -وليس فقط فوائد ذلك التدخل- ستبقى احتمالات قيام النظام الإيراني بتغيير سلوكه ضئيلة.

دينيس روس


 * سفير، ومساعد خاص سابق للرئيس أوباما

* معهد واشنطن