علي الحجي



في لقاء مع بعض الأصدقاء، طرح أحدهم فكرة ديكارت «أنا أفكر إذًا أنا موجود»، مفترضا أن التفكير هو دليل قطعي على وجودك.

تساءل آخر: وهل الشك في أنك تفكر هو شك في وجودك؟ هل كل ما يفكر موجود؟

الشخصيات الموجودة في الروايات تفكر وتقرر وتحب وتكره، فهل لها وجود؟

إن إحساسنا بالعالم حولنا يعتمد على ما توصله حواسنا إلى المخ، فما نراه يعتمد على الضوء المنعكس من الأشياء حولنا ودخوله العين، التي تترجم الطول الموجي لكل لون إلى شفرة ينقلها العصب البصري إلى المخ، يترجمها إلى صور، فللون الأحمر شفرة وللجبل شفرة وللصديق شفرة وللزهرة شفرة، وهكذا.

وكذلك السمع حين تحول القوقعة الموجات الصوتية إلى شفرات خاصة، ينقلها العصب السمعي إلى المخ الذي يحتفظ بصورة مخزنة لكل شفرة، فنعرف أن هذا صوت الأم، وهذا صوت المطر، وهكذا.

وكذلك الأخطار والأفراح والمكافآت، كلها شفرات معينة، يفكها المخ ويعكسها بمشاعر الزهو والفرح والغضب والألم … إلخ.

لذلك، تخيّل أنك مجرد مخ موجود في مختبر للأبحاث، وتم توصيل مجموعة أسلاك بك مرتبطة بكمبيوتر ضخم، يرسل إليك شفرات حسية معينة متنوعة، يترجمها هذا المخ إلى مناظر وأصوات وأشخاص وعلاقات، وكل عالمك الذي تراه وتحسه وتعيشه ما هو إلا برنامج كمبيوتر معدّ لقياس ردود فعلك لأهداف بحثية، فما ردة فعلك الآن؟ وهل أنت موجود، أم غير موجود، أم في درجة وجود بين الدرجتين؟

إن مبدأ الشك مبدأ علمي أسسه ديكارت للوصول إلى المعرفة، وقد نجح في استخدامه في الرياضيات، فيما كان نجاحه أقل في مجالات المعرفة الأخرى لصعوبة التجرد التام كما في الرياضيات، وقال إنه لا يوجد شخص عاقل يستطيع الشك في كل شيء، لكن الوصول إلى المعرفة ممكن حتى مع الشك التام.

لذلك، فتحديد هويتك الشخصية ووجودك أمر يرتبط بك تماما، وأنت وحدك تستطيع أن تحدد من تكون، فالأنا الخاصة بك شيء شخصي جدا له معنى عندك أنت فقط، وليس لها معنى عند أحد غيرك، إلا باعتبارها جزءا من مكونات بيئته، فأنت موجود بمقدار ما تفكر وتنجز فقط، أما عندما لا تشغل حيزا من الوجود بفكرك وإنجازك، فإنك مجرد صفر على هامش الوجود.