يرتاد المراكز الصحية في أميركا يوميا الآلاف من الناس ولا أقول المرضى؛ لأن هناك دراسة أميركية تقول إن 50% من هؤلاء المرتادين «لا يعانون من شيء».

 وفي مراكزنا الصحية يتكرر الأمر، ولكن مضاعفا، فتجد وقت العصر مثلا في المراكز التي تعمل في تلك الأثناء يكتظ اكتظاظا يخنق الأنفاس بـ«الناس» ولا أقول المرضى؛ ففي الحقيقة عندما تفتح سجل الطبيب - الذي لم يجعل له ممرضا يتولى التسجيل فيه - ستجد أنه في يوم من الأيام المزدحمة التي استقبل فيها الطبيب قرابة المائة مريض لم يكن من بينهم «مريض حقا» إلا 8 مرضى؛ أي أننا تعدينا أميركا ذات الـ50% ووصلنا إلى 92 %، وهؤلاء لا أسميهم مرضى إنما أسميهم حقا «متسوقين».

 ووجه الشبه إضافة إلى أنهم لا يعانون من شيء؛ أن المتسوق يدخل البقالة ويطلب من البائع ما يريد من المتاع؛ وهؤلاء مثلهم تماما؛ يدخلون «فيأمرون» الطبيب أمرا بما يشبه الإجبار بما يريدون من الأدوية محولين الطبيب إلى بائع ولكن «بائع ذليل»! فهو إن رفض ومن منطلق طبي منصف «ملء» الكيس لهذا المريض المتسوق فسيرفع شكوى ضده عبر الخط الساخن 937، وسيحقق مع الطبيب المسكين وربما يحسم من معاشه المحسوم أساسا، وسيواصل ذلك المتسوق «أبو كيس» تسكعه في المراكز الصحية لا يعاني من أي مرض جسدي.

 وإن تواطأ الطبيب معه وملأ كيسه فسيأخذه بازدراء ويقول «ما من حق أبوك شيء أصلا» وكأن الطبيب عندما يختار الأدوية المناسبة لمريضه لم يبن اختياراته على أسس طبية عالمية كدح من أجل معرفتها السنين، وكأنه بنظر هذا «أبو كيس» يحسده ويوفر الصيدلية لا أدري لمن؟!

 إن كثيراً من الأطباء وأكرر «كثيراً» يعطون هؤلاء المتسوقين ما يريدون، حتى وإن كانت هذه الأدوية مضرة لحالهم إما لعدم حاجتهم لها أو لكثرة ما يستعملونها، حتى أصبحوا كالمدمنين على المضاد الحيوي، الذي هو في نظرهم يشفي من كل شيء!.

 وفوق أن هذا ضار بصحتهم، ففي وجهة نظري، وهذا أراه الأهم بالنسبة لحالهم، فإن هذا منهك لميزانيات الدولة، ويحرم من هو يستحق العلاج فعلا، ويدخل الوزارة في معمعة «نقص الأدوية»، ويجعل موقفها حرجا أمام المواطنين؛ - وإن كان هذا ليس سببا رئيسياً لنقص الأدوية على كل حال -.

 ومن المضار التي رأيناها أن زيارة الشخص السليم للمنشأة الصحية تعرضه للعدوى خصوصا في فترة احتماليات حالات كورونا التي نسجلها بشكل شبه يومي، ومنها ما يظهر تأكيده، ومنها ما ينفى بمسحة الحلق؛ والمؤسف الآخر أنك ترى أحيانا مريضا واحداً، لكنه يأتي «بقبيلته» أجمعين؛ فيذهب الأجمعون محملين بالعدوى، إضافة إلى إرباكهم لسير العمل بل وتدخلهم في عمل الطاقم الطبي والخلافات التي تصل إلى اليد في أحيان كثيرة!.

 في الحقيقة أني حاولت شخصيا حل هذه القضية مع كثير من الأطباء، لكنهم صارحوني بالمرارة قائلين: سيخصمون علينا، وربما ينهى العقد في حال كان الطبيب أجنبياً، ولن يلتفت لنا أحد؛ لذاك املأ «كيسه» وانج بنفسك!!.

 من كل ما سبق مما هو بعض من كل مما يحدث على مدار الساعة في منشآتنا الصحية، فالذي أراه ختاما كحل جذري لـ«أبو كيس» هذا؛ هو أن يعتمد وزير الصحة وضع رسم مقداره 5 ريالات فقط على كل مريض؛ وبالتالي فأنا أقسم وأجزم مقسما بأن تتغير النسبة التي ذكرناها في رأس المقالة 92%‏ إلى 30%‏، ولن يأتي المنشأة الصحية إلا المرضى الحقيقيون لا المتسوقون.